حينما استعاد الجيش العراقي البلدة الصحراوية، الرطبة، الشهر الماضي والطريق الرابط بين حدود العراق والاردن، شعر المسؤولون العراقيون والاردنيون بالتفاؤل لان قسما كبيرا من هذا الطريق المتعثر امنيا الذي كانت المملكة الاردنية تعتمد عليه، عاد لخدمتها مجددا.
تأمين الرطبة، يعني فتح الممر السريع والعبور عليه سيكون سهلاً، ويوفر بعض الراحة لخزينة الحكومة الاردنية التي تعتمد بشكل مباشر على المساعدات الخارجية.
وفي نواح كثيرة، فإن استعادة الرطبة وتباعا الفلوجة، يؤكد أن الحقائق الاقتصادية الحقيقية للاردن ستأخذ امراً يسيراً.
ونظراً لضعف الاقتصاد الأردني، فإن مئات الملايين من الدولارات في البضائع التي كانت تنقل عبر الرطبة يمكن أن تساعد على تحقيق الاستقرار في بعض مناطق الاضطرابات داخل الأردن، في الوقت الذي تكافح فيه لدعم أكثر من مليون لاجئ سوري.
وهذا أيضا هو السياق الذي أطلقت من خلاله بغداد هجومها على معقل تنظيم داعش، مدينة الفلوجة، في أواخر شهر أيار، حيث ان المدينة تقع أيضا على مفترق الطريق السريع الذي يتصل بالأردن.
ان الفلوجة هي اخر معقل رئيس للمتمردين في محافظة الانبار، غرب العراق، وكانت بمثابة نقطة انطلاق لهجمات مسلحي التنظيم المتطرف على العاصمة.
وقال ضابط عسكري كبير سابق الذي قام بحملات متعددة في العراق إن “السيطرة على الرطبة والفلوجة لا يحمي فقط نهج الغرب تجاه بغداد، ولكنه يعيد فتح الممر الأرضي إلى الأردن، ويخلق عمقا استراتيجيا للأمن الأردني والسعودي”، واضاف “في الوقت نفسه، سحبت هذه العملية جزءا كبيرا من السكان السنة مرة أخرى في مجال بغداد من خلال علاقة تعاونية مع محافظ محافظة الأنبار، الذي قام بعمل كبير في هذا المجال”.
الصادرات السنوية الاردنية للعراق وصلت الى الحضيض، اذ انخفضت من المليون دولار الى ٦٩٠ الف دولار في عام ٢٠١٥، بسبب إغلاق معبر طريبيل الحدودي في شهر حزيران من العام ٢٠١٥.
وحينما فرض مسلحو داعش سيطرتهم على الرطبة، بدأوا بفرض الضرائب الثقيلة على اصحاب الشاحنات، ووصلت الضربية للشاحنة الواحدة حوالي ٤٠٠ دولار.
ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، يقول “اذا كانت الطرق آمنة، والسائقون الاردنيون يأتون الى العراق، فان الاثر الاقتصادي – وهي عقدة رئيسية في الاردن- سينعكس سلباً على العاصمة عمان ويقلل من معدل البطالة فيها التي بلغت نسبة ١٤ في المائة، لذا فان زيادة في العمل سيكون دفعة قوية لاقتصاد الاردن المتعثر”.
وقال مسؤول عسكري امريكي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه، ان “المسؤولين العسكريين الامريكان لاحظوا ان طريق الرطبة بوصفه نقطة انطلاق مسلحي داعش من سوريا الى العراق، فضلاً عن انه منطقة دعم لتنظيم الافراد معدات التنظيم الارهابي، كما استخدم ليكون نقطة اتصال مباشرة مع الفلوجة ثم الى بغداد”.
وكان تركيز واشنطن في البداية خلال الحملة الدولية هي قصف مواقع مسلحي التنظيم في الموصل منذ شهر آب من العام ٢٠١٤، لاستعادة السيطرة على الموصل ثاني اكبر مدن العراق.
المستشارون الامريكان على إثر ذلك، قاموا بحملات تدريب لقوات العمليات الخاصة والمدفعية، كما ادعوا تجيهز وتدريب الفرقة 15 من الجيش العراقي الى جانبها وحدات من البيشمركة الكردية، فالامريكان حتى الآن يعتبرون، أن استعادة السيطرة على الموصل، هي الجائزة الكبرى، لكن هناك الكثير من الاهداف الصغيرة بحاجة الى معالجة.
قبل انطلاق معركة الفلوجة، كانت بغداد تبحث عن فرصة لالتقاط انفاسها في الجانب الجنوبي الغربي، بينما الاقتصاد الاردني تأمل خيراً حينما استعيدت منطقة الرطبة لانها تعتمد عليه بشكل كبير ولاسيما النقل البري، حيث كانت تصل لبغداد مئات الشاحنات يومياً عبر الطريق السريع قبل الاستيلاء عليه من قبل المسلحين في عام ٢٠١٤.
سائقو الشاحنات الاردنية يتدافعون حاليا للعمل، في ظل عدم معرفة ما اذا كان الجيش العراق والحشد العشائري قادران على تأمين الطرق، لان الكثير من الجيوب تخللتها الجماعة الارهابية داعش، وربما لديهم فرص افضل للقيام بكثير من الهجمات بعد إنشغال القوات الامنية في عملية تحرير الفلوجة.
القوات العراقية وتحديدا، وحدة مكافحة الارهاب تمكنت في الاشهر الماضية من استعادة السيطرة على الرمادي، وهي اليوم تشن هجوما على الفلوجة لاستعادتها من قبضة المسلحين المتشددين، اذ يعدّ تأمين الفلوجة التي حاربت القوات الامريكية فيها معركتين داميتين في عام ٢٠١٤، ستكون المحطة الاخيرة في الطريق من بغداد الى الحدود الاردنية.
وثمة خطوة اخرى تبدو مقلقة للجانب الاردني، لاحتمالية تدفق المسلحين المتشددين من العراق الى الاردن، وفقا لمسؤول اردني رفيع المستوى. فيما يعتقد مسؤول عسكري في البنتاغون، ان الكفاح لاستعادة الفلوجة المقصود منه تقديم المساعدة وتخفيف العبء الاقتصادي الذي تعانيه الاردن من خلال فتح الشريان الرئيسي منها الى العراق لحل مشاكلها الاقتصادية التي تشكل مصدر قلق لها.
ويقول شينكر المدير في السياسة العربية بمعهد واشنطن “بدلاً من التركيز على الجانب الامني، فان الاردن يجب أن تحارب لتأمين الممرات لتسهيل التجارة وتحقيق الاستفادة الاقتصادية وشحن البضائع الى العراق. وانا لا اعتقد ان هناك وقت يمكن القلق على الاردن من قبل داعش، فالتهديد نحو بغداد وإن معبرها الحدودي مع العاصمة عمان يعد شريكاً تجارياً وحيوياً بعد إغلاقه لاكثر من عام”.
ومع المساعدات المالية الامريكية، استثمرت الاردن ما يقارب ١٠٠ مليون دولار في نظام مراقبة الحدود وتطويرها، اذ يشمل هذا النظام مراقبة الحدود ليلاً ونهاراً وتزويدها في الكاميرات والرادارات ونظام القيادة والاتصالات الذي من المقرر أن يدخل الخدمة العام المقبل. ومعظم المشاريع الامنية في الاردن تعمل على حدود ما يقرب من ٢٨٧ ميلاً وعلى امتداد ١٦٠ ميلاً على طول الحدود السورية، و١١٥ ميلاً بالقرب من العراق.
الغد برس
المصدر: مجلة فورين بوليسي الامريكية.
صحيفة المنتصف تصدر عن قسم الصحافة بجامعة أهل البيت عليهم السلام