الرئيسية » الأخبار المحلية » الموصليون يترقبون بلهفة وصول المحررين

الموصليون يترقبون بلهفة وصول المحررين

مايكل نايتس / sthginK leahciM عن مجلة فورن بولسي تحرير الموصل مسألة في حكم اليقين كأقرب ما يمكن للمرء أن يتوقعه في ظروف الحرب. فعدد المقاتلين في صفوف «داعش» قد لا يتعدى بضعة آلاف فرد وهم مكلفون بالدفاع عن مدينة تفوق مساحتها 30 كيلومتراً مربعاً، يقابل ذلك على الجانب الآخر 54 ألف مقاتل من قوات الامن العراقية والبيشمركة يطبقون عليهم من كل اتجاه.

مواجهة السيناريوهات بوسع المرء منا أن يستعرض مع نفسه جميع السيناريوهات الكابوسية التي قد تتكشف عنها صفحات المعركة: ماذا لو أن مليون شخص فروا هاربين من المدينة في موجة واحدة؟ ماذا لو أن «داعش» نسفت جميع الجسور فوق نهر دجلة ودمرت منظومات الكهرباء والماء فخلقت ازمة انسانية؟ ماذا لو وقعت مصادمات بين الجيش العراقي والقوات التركية اثناء محاولة هؤلاء دخول المدينة؟. على المرء ألا يستهين بهذه الاحتمالات الخطيرة، التي لا يداخلني شك في أن المخططين العسكريين القائمين على العملية مدركون لها ايضاً ولتداعياتها المعقدة، ولكن احساسي الداخلي ينبئني بأن معظمها لن يحدث بالشدة التي يخوفنا منها المراقبون. بل ان الأمل كبير في أن يكون تحرير المدينة في الواقع نجاحاً مدوياً، لأن اغلب الموصليين سوف يلزمون مخابئهم التي اعدوها ويبقون في المدينة متشجعين بأن اجزاء كبيرة منها لن تطولها العمليات القتالية بصورة مباشرة طالما أن «داعش» لا تملك العدد الكافي من الارهابيين للانتشار في اكثر من احياء قليلة منها.

عمليات خاصة كذلك فإن القوات العراقية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سوف تشن معا سلسلة من العمليات الخاصة والضربات الجوية بهدف منع الانهيار الشامل للبنى التحتية الاساسية، كما ستستخدم الحكومة العراقية المعدات التي زودتها بها الولايات المتحدة للتعويض عن الجسور التي تتعرض للتدمير. من جهة اخرى تبذل بغداد وحلفاؤها الدوليون مساعي جادة لابقاء البيشمركة وفصائل الحشد الشعبي خارج الموصل. بيد أن إمام الموصليين اليوم فرصة لم يسبق لها مثيل لاحلال الاستقرار في مدينتهم. فيوم سقط الطاغية صدام حسين انتفض أهالي الموصل لأن الاميركيين دخلوا المدينة وأزالوا جميع اليقينيات والمسلمات التي كانت تفرضها الحياة في ظل البعث المحظور. ولكن في هذه المرة هناك قوات يتقدمها الجيش العراقي، وهي تقاتل للقضاء على دكتاتورية تعمل بعقلية القرون الوسطى زرعت الرعب في الموصل طيلة سنتين ونصف مضت. من خلال حسن التدبير والتنظيم سيستقبل الموصليون قوات الأمن العراقية استقبال المحررين لأول مرة.

أكثر إشراقا الحقائق المتعلقة بتحرير الموصل اكثر اشراقاً مما يصوره لك المشككون والرافضون، فمنذ ربيع 2015 قاد الجيش العراقي وقوات مكافحة الارهاب والشرطة الفدرالية سلسلة عمليات لتحرير مدن تكريت وبيجي والرمادي وهيت والفلوجة والقيارة. هذه الانتصارات حققتها بشكل كامل تقريباً دماء عراقية وكردية، ولا ينكر أن التحالف الدولي كان له ايضاً دور مهم فيها من خلال العمليات الجوية وجهود تدريب وتجهيز القوات العراقية. هذا المسعى الدولي بلغ ذروته في معركة الموصل، فسماء الموصل اليوم تزدحم بطائرات الاميركيين وحلفائهم، منها طائرات إغارة وأخرى مسيرة مخصصة للاستطلاع و طائرات الإرضاع الجوي. كذلك يتركز الجهد الاستخباري للتحالف بقيادة الولايات المتحدة مثلما يسلط شعاع الليزر متيحاً بذلك للعراقيين قدرة الوصول الى المدينة والقضاء على قادة «داعش» وكشف اجراءاتهم الدفاعية اولاً بأول. كذلك تنقل الطائرات الاميركية المؤن والوقود والذخائر جواً بدأب إلى أرض المعركة مباشرة بينما تواصل المدفعيتان الاميركية والفرنسية دك مواقع «داعش» على اطراف المدينة. اما القوات الخاصة التابعة للتحالف فتعمل عند الخطوط الامامية، حيث نراهم (يحددون الأهداف ويقدمون المشورة للقادة العراقيين) وحيث لا نراهم (داخل الموصل ينسقون عمليات المقاومة وينفذون مهمات خاصة توكل اليهم). اما في مقرات القيادة العراقية، مثل القاعدة الجوية غربي القيارة، فإن طواقم مستشاري التحالف يشكلون حلقة الوصل التي تديم تماسك الجهد المشترك بين القوات العراقية والكردية لخفض الاصابات الى ادنى الحدود.

خطر حقيقي بيد أن أهمية دور التحالف في نجاح حملة العراق العسكرية يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدين، إذ ترى ما الذي سيحدث لو غاب هذا الدعم بعد ان تتحرر الموصل؟ لقد سبق أن هزمت النسخة السابقة من «داعش» خلال الفترة 2007 الى 2010 وسحقت حتى الجذور من خلال الدمج الفعال بين عمليات القوات الخاصة بقيادة الولايات المتحدة وجهود مكافحة الارهاب العراقية الاميركية البارعة المشتركة. ولكن عصابات «داعش» استعادت نشاطها خلال الفترة 2010 الى 2014 وعادت اقوى مما كانت ثم اجتاحت ثلث مساحة البلد بعد مرور سنتين ونصف على رحيل القوات الاميركية. الخطر الحقيقي المحتمل هو أن يتكرر هذا كله مرة اخرى، الامر الذي سيجعل من نجاح عملية الموصل مجرد استراحة وفترة لاستعادة الانفاس. على الولايات المتحدة أن تبدأ التخطيط منذ الآن كي لا تلقى مناطق اخرى من العراق ذات المصير مستقبلا. تتمثل الخطوة الاولى ببناء صيغة مختلفة تحقق الاستقرار في تمديد أمد عملية العزم الراسخ، التي تتولى تنفيذها قوة المهام المشتركة بقيادة الولايات المتحدة، لسنوات عديدة اخرى بالاتفاق مع الحكومة العراقية. الغاية من ذلك هي انشاء علاقة تعاون امني طويلة الامد تغطي فترة الحكومة الحالية والحكومة التي ستليها وتثبيت اطار هذه الشراكة المثمرة مع رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. خطوة كهذه ستأتي منسجمة تماماً مع المهمة المطلوبة من عملية العزم الراسخ أن تنجزها، وهي تفتيت «داعش» الى أن يصبح بإمكان القوات العراقية التعامل مع هذا الخطر بلا عناء. من الواضح أن هذا الهدف لم يتحقق في بعض المناطق، كما انه لن يتحقق في المناطق الحدودية النائية او على امتداد جبهة كردستان العراق حيث تستغل عصابات «داعش» التوترات.

قوة مشتركة تمديد عملية العزم الراسخ سيعود بفوائد عديدة، فأحد النجاحات المهمة التي تمكنت قوة المهام المشتركة من تحقيقها هو تدويل التعاون الامني مع العراق الى مديات غير مسبوقة. فخلال الفترة ما بين عامي 2003 و 2011 لم يكن التحالف يتعدى كونه تعاوناً بين دولتين هما اميركا وبريطانيا، أما اليوم فإن معظم الشركاء في حلف الناتو والعديد من دول مجموعة العشرين منضوون تحت قيادة الولايات المتحدة في العراق. هذا التنوع له فوائد حقيقية، فهو يدخل الى الميدان قدرات لا تمتلكها الولايات المتحدة، مثل مهمة تدريب الشرطة الفدرالية التي تقوم بها الجندرمة الايطالية، كما انه يسبغ على العلاقة بين الحكومة العراقية وقوة المهام استقراراً دبلوماسياً اعلى. تدويل عملية العزم الراسخ ينبغي ادامته وحتى توسيعه خلال السنوات المقبلة.

جهد دولي مع تحول المعركة ضد «داعش» من عملية تحرير للمدن العراقية الى عملية توطيد للاستقرار طويل الامد سيحتم على الجهد الدولي أن يكيف نفسه ايضاً. عندئذ ستتحول المشاركة الاجنبية في المعارك الكبرى الى مدينة الرقة السورية حيث العاصمة المزعومة لدولة «داعش»، وتبقى العلاقة الامنية مع العراق متركزة على تبادل المعلومات الاستخبارية والتدريب والتجهيز وتقديم المشورة ومساعدة القوات الامنية. على قوة المهام أن تطور برنامجاً للتدريب والتجهيز يمتد لعدد من السنوات وينصب على تدريب القوات الخاصة واجهزة المخابرات على عمليات مكافحة الارهاب. كذلك قد تنشئ قوة المهام للجيش العراقي والشرطة الفدرالية ما يسمى «المركز المتميز لمكافحة التمرد» وسوف يكون بوسع المدربين الدوليين أن يعيدوا احياء اكاديمية الشرطة في العراق التي كان مقرها في مدينة الموصل حتى 2014. كذلك بإمكان الشركاء الدوليين مساعدة العراق على تطوير امنه الحدودي وقدراته اللوجستية لدعم العمليات في المواقع التي لا تخضع لسيطرة الادارة والبعيدة عن البنى التحتية القائمة. بدون الامن الحدودي قد يتمكن انعدام الامن في سوريا من التدفق عبر الحدود مرة اخرى ليغرق الموصل واجزاء اخرى من شمال العراق. علينا ايضاً أن نؤمن الحماية لاصدقائنا في العراق بشكل افضل. فبدون وجود تطمينات بأن دعم التحالف الدولي سيستمر لأمد طويل سوف يضطر حلفاؤنا، مثل رئيس الوزراء العبادي وجهاز مكافحة الارهاب والجيش العراقي والكرد العراقيين ومقاتلي العشائر للمواجهة بشكل منفرد. كذلك قد يساعد التركيز الدولي الراهن على متابعة وتحسين التعاون الامني بين بغداد وكردستان العراق على امتداد المناطق المتنازع عليها.

انتصار الموصل الولايات المتحدة وشركاؤها في العراق اشبه بشخص دفع صخرة عملاقة الى اعلى تل شديد الانحدار حتى قارب القمّة، فهل من المأمون الان أن يتوقف عن الدفع آملاً أن يوصل الزخم الصخرة الى قمة التل؟ أم ان الصخرة ستتوقف ثم تعود للتدحرج ببطء مخيف متراجعة نحوه؟. نحن نعلم كيف كانت نتيجة ذلك في 2011، لقد توقفنا عن الدفع وبعد 30 شهراً لا غير اجتاحت «داعش» ثلث مساحة العراق. لقد كانت غلطة الولايات المتحدة انها خرجت بسرعة وبشكل كامل من العراق فوفر هذا الظروف المناسبة لعودة «داعش» بقوة. ولكن علينا في هذه المرة أن نكون ابعد نظراً كي نجعل من انتصار الموصل المقبل انجازاً دائماً، وعلى المجتمع الدولي ألا يفض اشتباكه مع «داعش» بمجرد تحرير الموصل.

*ترجمة – أنيس الصفار

اترك رد