الدَين ممنوع

عندما كنت صغيراً أقف أما البقال لأشتري منه بعض حاجتي من حلوى أو ما ترسلني أمي لجلب بعض حاجيات البيت ، كان البقال يضع قطعة من الورق كبيرة الحجم وأحياناً يكتب على الحائط كلمة كبيرة مزغرفة جميلة بألوانها كلمة الدَين ممنوع ، كنت أقف فترات طويلة أما هذه الكلمة التي لاأعرف قرائتها بالحركة التي تعلو حرف الدال ، وكنت أضن أن البقال رجل كافر وزنديق بحين يكره الدين ، وكيف يشتري منه الناس وهو كافر ، وكيف أشتري منه أنا ، ولكني كنت مجبر ، وعندما ذهبت الى غيره كان يرفع نفس الكلمة سواء داخل محله أو خارجة علماً أن البقالون كانوا في غاية الانسانية ، وينتظروك على نقص في حسابك أذا كانوا يعرفون أمانتك وأخلاقك ، وكلمة الدَين ممنوع لا تنطبق على الكل فقط على الذين لا كرامة لهم في أسترجاع حقوق البقال وغيره .

وعندما تقدم بي العمر وأكملت الابتدائية لم أعرف معنى الكلمة التي كان يرفعها وكنت كلما أقدم الى أهلي بعد شراء ما كانوا يطلبونه مني متذمرا من البقال وتلك الكلمة الوقحة ومتمردة في بلد كله أيمان ومحبة ، والمستظرف أن البقال الذي كان يرفع تلك الكلمة يصلي ويصوم في رمضان ويومي الاثنين والخميس وأحتفل به الناس عند عوته من الحج الى البيت العتيق في مكة ، وكنت أستحي أن أسأل أحداً عن تلك الكلمة الوقحة وكنت أخجل من البقال أن سأله عن كلمته التي كنت أموت الف مرة عندما أقرأها .

ومع مرور الزمن بالصدفة كنت واقفاً بقرب الدكان لأشتري وكان أحد المشتري يتصارخ مع صاحب الدكان ، فصرح صاحب المحل ألم تقرأ ما كتبته على هذه الافتة الدَين ممنوع وأنت تكثر من الدَين وتقترض بدون أن ترجع الحقوق الى أهلها ؟ أخي أنا أدفع النقود لأتبضع وبدون النقود لايمكن القدوم بالجاجيات التي يمكنك الحصول عليها أنت وغيرك ؟ فقال له الرجل وأنا لم أنكر أن لك حق في عنقي ؟ ولكن ظروفي صعبة وأهلي محتاجين للطعام ؟ فقال له البقال والى متى أصرف عليك وعلى عائلتك ؟ . أخرج الى العمل ولا تبقى متسكع عالة على الاخرين لتكن لديك كرامة وغيرة الرجال لايشحذون ولا تنازلون الى الغير الحر من يذبح نفسه ولا يمد يده الى الاخرين ، فخجل الر جل من نفسه ووعد البقال أن يرجع حقه في أقرب وقت ولكن أنسانية البقال كانت أكثر من قسوته لحقه فقد حمله بما يحتاج أكراما لعائلته الجائعة والتي تنتظره ، عندها أدركت ما تحمله تلك الكلمة من معاني للتعامل وفرحت فرحاً شديدا لمعرفة معناها ، وأنها ليس ضد الدين الاسلامي الحنيف أو المسلمين .

اليوم هذه الكلمة يتعامل بها كم كبير ولكن بدون الحركة على حرف الدال ، عندما يتخذون من الدين تجارة لتحقيق أغراضه الدنيئة سواء كان ذلك في الجانب السياسي أو الاقتصادي أو باقي الاغراض ، وهؤلاء لايفرقون عن داعش الذي يقتقل الناس بأسم الدين .

أن الدين هو سلوك ومحبة أكثر منه عبادة فما الفائدة من الدين أذا كنا لانحسن سلوكنا مع أنفسنا قبل غيرنا ، فحن لا نتعامل مع بعضنا البعض على أساس ما وضعه الدين لنا من حدود التهذيب عندما أرسل الله لنا الرسول محمد ( ص) وما وضعه في كتابه العزيز القرآن الكريم لليتذكر الناس وارجوع أليه في أي وقت . إلا دلالة واضحة  أن يجعل منا عائلة أنسانية لاتفرق بين فقير وغني بل على الغني أن يساعد أخيه مما يملك من مال الله .

أننا اليوم علينا مراجعة أنفسنا وكلاً حسب عمله وأهدافه وأغراضه أن نبتعد عن أتخاذ الدين وسيلة لتحقيق أغراضنا ومنافعنا الدنيوية الزائلة ، فعندما نكثر منه في التعامل الباطل سينقلب على أصحابه ، وهذا الانقلاب حصل بعد وعود كاذبة لايمكن الوفاء بها , فأما الانقلاب سيكون بمرض قاتل أو أفلاس أو يجعله آية من آياته للعبرة ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر ، من غني الى شحاذ ، من شريف الى رذيل ، من قوي الى ضعيف من حسن المنظر الى بشع ، من محب للطعام الى مكره للطعام وغيرها من الصور الاليمة .

فعندما نجد شخص يتعامل مع الدين ويتخذه وسيلة وليس شيء له قدسيته يجب الابتعاد عنه مسافات كبيرة ، وأول شيء فعله البحث في سيرة هذا الشخص والحكم عليه فيما بعد فستجد الهول منه ومن مسيرته وسيرته ، فأنه لايجد مسافة أقصر من الدين للوصول أليك ، فعندما يحلف بالله بأنه سوف يقضي لك أمر ويضع الاولياء مع ويكثر من الحلف ، فعليك الانتظار قبل أن تتعاقد معه على شيء ، والتعامل معه فيما بعد .

أننا نأمل من شعبنا عدم الانسياق وراء الاشكال والهندام واللسان وأصحاب الشعارات ،اليوم نحن بحاجة الى الفعل وليس الديكور بحاجة الى المضمون  ، المضمون الوطني الشريف الذي يحس بألآلآم شعبه وتمزقه وفرقته ، لسنا بحاجة أن نكثر من مقدساتنا ، ونحن يملئنا البغض وعدم الوثوق وهدر أموال شعبنا وسرقته ، يجب علينا محاسبة من يلوذ بالدين ويجعله صومعة لملذاته وممارساته الدنيئة ، وعلى من يتبعه أن يتفكروا أن هذا الذي جعلوه قدوتهم أو تعاملوا معه لا يفرق عن أنسانيتهم ولم يعطيه الرب أمتياز في زيادة الاجهزة الجسمية وأن علمه موجود في أي مصدر من مصادر المكتبة ويمكن الاطلاع عليه ، عليهم أن يخافوا ويرهبوا من الله الذي خلقنا وليس من البشر ، ولا يمكن أن نعبد البشر ونترك الله الخالق لكل شيء .، سبحانك ربي وأعوذ بك مما يعبدون غيرك ، يجب علينا أن نجعل من الدين محبة وسلام وأخوة وجمع للمكارم والتعاون وليس للفرقة والتناحر ، وأن نبعد الدين الحنيف من تعاملاتنا الباطلة فالدين دين حق وليس دين الباطل ، والاديان كلها نزلت بأمر الله وهي تكمل بعضها البعض ولا تفرق بين أحد وأخر سوى بالعمل والسلوك .

اترك رد