الرئيسية » مقالات متنوعة » الأستاذ الجامعي بين الهول والحقيقة

الأستاذ الجامعي بين الهول والحقيقة

Avatar

 

الكل يعرف أن العراق في الخمسينات وستينات وسبعينات من هذا القرن يتبؤ الصدارة الأولى في المركز التعليمي ، بدليل توافد كثير من الطلاب من الدول العربية سواء أو باقي القارات إلى جامعاتنا وخاصة جامعة بغداد ، فقد بنيت للأساتذة الجامعات أجمل الشقق في مواقع متميزة من بغداد والبصرة والموصل ، ومنحوا أرقى أنواع السيارات العالمية وهي المرسيدس ، فكان بحق أستاذ يتمنى الكل أن يصل إلى مصافه وكان لديه حصانة ويدخل إلىأي مكان معزز مكرم ، أما راتبه فكان يعادل مرتب وزير عربي أو أسيوي أو أوربي ، فكان يسافر بجزء قليل من راتبه إلى اكثر من دولة أوربية لقوة الدينار العراقي آنذاك ، إضافةإلى احترام دول العالم لمكانته وتسهيل مهمته ، ولكن دول العراق إلى الحروب وما تفعله من هدر مادي وبشري وعسكرة المجتمع تراجع التعليم إلى ادنى مستوياته وعاش الأستاذ الجامعي حاله كحال أيموظف في حالة كفاف أدىإلى هجرته والعمل في دول تدرك قيمة الأستاذ العراقي ، مما أدىإلى طوير مهارات تلك الدول ، بل واثر حتى على سلوكياتها فنقلها إلىما كان العراق يعيشه في تلك السنين من رقي وانفه وقوة شخصية واعتزازه بمقومات الوطن والوطنية ونقلها من طور البداوة إلى التحضر حدثا قفزة في السلم الاجتماعي , وهكذا فرغ الوطن من كفاءته وهكذا تراجع التعليم في العراق ودخلت عليه مفاهيم غير معروفة من سلوكيات دفعتها الحاجة والعوز والكفاف أدى ذلك إلىأن يصغر أمام نفسه ليطعم عائلته ويستمر بالحياة ، وقد انتحر الكثير من الأساتذة حيث لم يقبلوا على انفسهم ما وصلوا إليه من خلال الهجوم اللاذع الذي كان يوجهه إلى مسامع السلطة فأعتقل الكثير منهم واتهم بكل الاتهامات وقد تم إعدام الكثير منهم .
وبعد التغير وضع الأستاذ الجامعي في مساره الحقيقي ، من خلال الدعم المادي والمعنوي ، فنهضت الجامعات بصحوته واخذ يعيد الثقة بنفسه ، فبعد توقف في الأبداع العلمي والبحث العلمي والابتكارات ، استعاد عافيته ، فأخذت المؤتمرات العلمية والندوات والحلقات النقاشية لا يخلوا منها المنهج الجامعي وأقيمت مؤتمرات علمية دولية بالعراق وكان موضع أعجاب عالمي لما يعرف عن عراق وأساتذته وطلابه من ذكاء وفراسة .
واليوم الكثير من الذين لايعرفون الأستاذ الجامعي وماهو مطلوب منه وخاصة الكثير من أفراد المجتمع ؟ ويظن البعض أن الأستاذ الجامعي هو رجل ثري بحيث أنه كلما يذهب به إلى الجامعة يضع في حقيبته ملايين الدنانير .
أما اذا سمع بك أحد التجار أو السوبر ماركت أو أصاحب الدوائر أو من يصلحون السيارات أو الحلاق ، فيعطيك احترام كاذب وتملق وينتظر عطائك واذا لم يكن وافي قال لك أنت أستاذ جامعي معقولة هذا وينظر إلىما عطيته ، لأنهينتظر منك الضعف وليس السعر الحقيقي .
أود أن أقولإلى كل هؤلاء أن الأستاذ الجامعي ترك الدنيا وحلاوتها ليتفرع للعلم للقلل من أخطاء المجتمع ويساهم في البناء الصحيح لهذا الوطن ،تعرفونأيها السادة ما هوراتبه وماهو مطلوب من ذلك الراتب ؟
المطلب الأول أنه مطالب بالبحوث العلمية وهذه البحوث إضافةإلى البحث في بطون الكتب القديمة والحديثة المركونة في المكاتبات وماتحمله هذه الكتب من فيروسات تطير في الوجه وتصل إلى العيون عند فتحها مباشرة وماتسببه للباحث ،من أمراض الحساسية وغيرها ، أما قراءته لهذا المصدر فيستمر إلى ساعات طويلة لإخراج المعلومة من ذلك المصدر ، وهذا الجهد وما يسببه هذا الانخفاض للرقبةمن الإلام سوفان وكذلك للنظر وضعفه ، وكثير من أساتذتنا يعانون من هذا الأمر ، وبعد أن يتم جمع البحث يتم طباعته ، طباعة الورقة تكلف ( 2000دينار)أما عدد الأوراق فيختلف من اختصاص إلىآخر وقد يبلغ البحث في الاختصاصات الإنسانيةإلى 100 صفحة لتغطية البحث ، أـما اذا الف كتاباً وهو ما يسعى إليه لأنه مجده به معنويا فهنا الكارثة ؟ يبلغ طباعة الكتاب الواحد إلى(2000 دولار) ولاتقوم أي جهة بمساعدته وهذه المبالغ يتحملها راتبه فقط ، فقط اذا كلف بتأليف كتاب منهجي يعطى مبلغه من الجامعة ولكنه اذا اكتشف نظرية أو كتب بموضع اختصاه فلا يعطى أي مبلغ فقط للتنويه ، وكثير من استأذنا لا يميلون إلى تأليف الكتاب المنهجي لأنه يجب أن تنزل بأفكارك إلى أفكار الطلبة المبتدأين ، أما التأليف في مواضيع الاختصاص في ذات مساحة كبير يسعى من خلالها الأستاذ لبيان إمكانياته العلمية وليس لعناوين محددة ، على الرغم من المكافئة المجزية للكتاب المنهجي ، الذي في كثير من الأحيان يهمل ويعطى البديل
وهناك أمورأخرى كمالية مثلاً يجب أن يظهر بمظهر لائق أمام طلبته دائما وسكنه افضل السكن وسيارته افضل سيارة ولكن طلبته يتفوقون عليه في كل ما هو جديد وأنيق ويمتلكون البعض افضل السيارات ومع ذلك فهو لايعير اهتمام لهم ’ لأنه يملك ما لا يملكون من خزين معرفي .
ولايظن البعض أن الأستاذ الجامعي أنه في وسط خميلة من الورود ذات العطر المتساوي والون الواحد ، فطلاب ما بعد 2003 ليس طلاب ما قبل هذا التاريخ ، فقد حرم طلابنا من كل هذه التقنيات والانفجارات العلمية والاختراعات وقد قدمت إلى العراق جملة واحدة ومنها الأنترنيت والموبايلات وغيرها التي سلبت عقول الشباب فبدلاً من الاستفادة منها علمياً أصبحت للهو وقضاء أوقات ، هذا الأمر اثر سلبياً على الطالب ، فترك كل شيء واعتمد في حياته العلمية مايقدمه الأنترنيت من معلومة ، فانتهى البحث العلمي فبدلا من الوقوف على المصادر الحقيقة اكتفى بهذا , وهنا حدثت مشكلة بين الطالب والأستاذ ، وعند المحاججتة يسلك الطالب كل السلوك بين معارفه والجهات التي ينتمي لها ليتهم الأستاذ بكل الاتهامات ؟ ففي الزمن الماضي عندما يتهم بقضية لتصفيته يتهم بانه منتمي إلى حزب الدعوة ، أمااليوم فيتهم أنه بعثي أو أربعةإرهاب أو ضد الأمام الحسين (عليه السلام) ، أو خطفه وقتله من قبل الطالب أو بالاتفاق مع جهات أخرىأو مجموعة ، اذا رسب الطالب عند ذلك الأستاذ وحصلت الكثير من هذه الأموروأخرها بالجامعة المستنصرية عندما دخل احد الطلاب وقتل احد الأساتذة .
اليوم لاتوجد جهة تساند الأستاذ الجامعي لا نقابة لا مسؤول ، الطالب مقيم افضل من الأستاذ الجامعي وكل ما يصدر عن الطالب من إساءة يتحملها الأستاذ الجامعي ويصدف الصغير والكبير ضده وخاصة اذا كان ينتمي أو أنه ضمن المنظومة الحكومية ، وهنا عاش الأستاذ الجامعي بين الخوف والرهبة وعدم وجود ملاذ امن سوى الله ، هذه الأخلاق الذي نتعامل بها مع الكثير من الطلاب حشى من يمتلك التربية والأصالة والشرف منهم .
أما ما يخص العلاقات الاجتماعية فهناك الكثير من أقربائه يضنون هناك مطابع من الأموال مخصصة للأستاذ الجامعي في الجامعة وان راتبه كل يوم وليس كل شهر ، فهم اذا استدانوا منه لا يرجعون له الدين لأنه ليس بحاجة إليه ، من العيب اذا طالب به يقطعون العلاقة به واذا طالب به.
أن الأستاذ الجامعي هو أنسان مثل باقي أبناء المجتمع له حقوق وعليه واجبات ، وهو مقياس المجتمع ، فهو مفرغ تماما للعلم ولا يستطيع أن يعمل عمل آخر لان الوقت لا يكفيه ، واليوم لا يكفيه ، فتراه دائما مشغول في مصادره وبحوثه ومختبره ، وكل أستاذ يفكر بان يجعل من الجامعة مصرف مالي فهو أستاذ فاشل ، فهو لا يمتلك من العلم سوى ما سطره في رسالته أو أطروحته واكتفى فمثل هذا الأستاذ يكون موضع سخرية من قبل طلابه وكذلك زملائه لان إمكانياته محدودو ونحن نطلق علية ميت موتاً سريرياً لأنه متوف بدون إنتاج علمي ، لذلك الأستاذ مستعد للإجابة عن أي سؤال ، فنحن عندما انتسبنا إلى الجامعة لم نفكر بها على ما يخصص للأستاذ من راتب بل ما تعطيه الجامعة من تألق علمي ومعرفي وتجعل منه صدقة جارية بعد مماته ولم نفكر يوما بالراتب ، ففي النظام السابق كان مرتب الأستاذ ( 5000دينار)أماالأستاذ من كان برتبة بروفسور فكان يبلغ راتبه 17000 دينار ، ومع ذلك لم يترك أساتذتنا والكثير منهم العراق وقد تتلمذنا على يدهم واصبحنا باعلا المراتب العلمية وبفضلهم اصبح لنا عناوين ، وليس بفضل أهلنا فالكثير من أساتذتنا منحدرهم ريفي فلاحي فقراء ، ولكن الله عوضنا بهذا المجد الذي لا يضاهيه مجد الدنياوأموالها، يجب أن لاننظر إلى الأستاذ الجامعي على انه رجل مالي مصرفي تاركين المعاني الحقيقية له ، وهو رجل علم وهو لايقل عن رجل الدين من هو بدرجة آية ، فالبروفسور ( الأستاذية ) تعادل درجة الاجتهاد في الحوزة العلمية ، فلا تفرطوا بالأستاذ الجامعي وعيدوا حساباتكم فيه ، ودعوه يؤسس لأنسان يمتلك القيم فلا حضارة ولا دولة بدون قيم وعندما تنهي هذه القيم والتي مجموعة مفاهيم سيتحول الوطن إلى غابة تخلو من الأنسان والإنسانية .

اترك رد