غالب الدعمي
~سعدية الجنابي من قضاء المسيب وتلقب محلياً بـ (ابنة المعيدي)، تبيع القيمر يومياً في سوق المسيب، جميلة جداً بل خارقة الجمال كما تُوصف، زوجها يعمل خادماً لدى جنرال إيطالي الجنسية، يخدم في القوات البريطانية في العراق حين أُحتل من قبل القوات البريطانية، وتحديداً في معسكر الحامية، كما يطلق عليه الآن. على الرغم من بساطتها، وعدم حصولها على فرصة للتعليم ، لكنها كانت تملك احساساً مرهفاً، وتملك قراءة للأشياء، تفوق حتى الرجال، لا سيما زوجها الذي فرط بها طمعاً في المال أو جهلاً بما يخطط له الآخرون.
وفي يوم لمح الجنرال الإيطالي في السوق تلك الفتاة أثناء تجواله، وعرف أنها زوجة هذا الذي يخدمه يومياً ويقدم له الطعام، فرمقها بنظرة، شعرت هي مقاصدها، وبعد ايام عرض هذا الضابط على زوج بائعة القيمر أن يجلب له يومياً أية امرأة من المدنية كبيرة أو صغيرة ينظر لها فقط بعض الوقت ويعطيه مقابل ذلك ( خمس روبيات) كما يعطي المرأة التي يصحبها معه (خمس روبيات) أيضاً، وتكرر هذا الأمر لمدة من الوقت، مما حدا بزوج بائعة القمير أن يعرض عليها الذهاب معه من أجل أن يحظى (بعشر روبيات) بدلاً من غيرها، لكنها رفضت وقالت له: إن الجنرال لمحني بإعجاب وهو يُبيت لي شيئاً، وأمام إلحاحه وافقت، لكنها قالت له: إن الجنرال الذي تعمل لديه طامع بي، وكل هذا الذي عمله من أجل ان يصل إلى هذه اللحظة، إلّا أن زوجها أصر على رأيه ليحظى بالمبلغ اليومي الذي يخصص له، ولمن يصطحبها.
الجنرال من جهته جهّز نفسه للسفر، وحال وصولها إلى البيت كلف خادمه، زوج سعدية بجلب بعض الإشياء له من خارج الحامية، في حين هو اسطحبها معه إلى ميناء البصرة، ومنه إلى ايطاليا، وحين كثرت المطالبات بضرورة عودتها للعراق وتدخل الحكومة العراقية، إلا انها قالت بالحرف الواحد: لن أرجع لرجل باعني بخمس روبيات، وسأبقى مع رجل اشتراني بآلاف الروبيات، وأرسلت صورتها بهيئتها الجديدة، معلنة رفضها العودة لبيع قيمر السدة كما يسمى.
ما كتبته اعني به اشياء واشياء لأن الكثير منا تخلى عن أشياء ثمينة من أجل أخرى أقل ثمناً، وآخرون باعوا أشياء لا تقدر بثمن مقابل أن يحتفظوا بكراسي من خشب. فسعدية لن تعود لأنها غادرت زوجاً باعها، ولم يقدر ثمنها، والوطن كما يبدو أنه غادر ولن يعود مرة أخرى.