أخيراً إكتشف أيوب سبب إعيائه وألم رأسه المزمن، فلم تكن ساعات العمل السبع أبداً وإنما العشرة دقائق التي يقضيها في باص العودة إلى منزله!
ففي كل يوم إعتاد ركوب باص صغير يتسع لأربعة عشر شخصاً، حيث يصادف رجل يدخن سيجار والباص مغلق تماماً! وآخر يأكل بشراهة ويرمي البقايا من النافذة! وثالث يتسلى ببذور (دوار الشمس) ويبصق القشور هنا وهناك! وإثنان يتناقشان بحرارة وصوت مرتفع عن أوضاع البلد! والسائق لا يترك مطباً إلا ودخل فيه- مع إن الشوارع معبدة وفي غاية الجمال- ورجل تذكر مكالمة جميع أقاربه عبر الهاتف والضحك معهم! وإمرأة تصرخ بطفلها الباكي جوعاً وعطشاً! وشباب يتمازحون ويصرخون ببعض!
وبين هذا وذاك يعاني المسكين أيوب كل يوم من هذه الضوضاء وهذا الصخب وليس أمامه سوى أن يتحمل ويصبر لعشر دقائق أشبه ما تكون برحلة عذاب وتنكيل، أو يشتري لنفسه سيارة لا يملك حتى ثمن عجلاتها!
أفضل ما وجد من الحلول أن يضع سماعة رأس وينقطع عن الجميع مستمعاً لشيء ما .. حتى ذلك اليوم الذي إنتبه فيه ليد تربت على كتفه .. إنتزع سماعة الرأس وإذا به رجل كبير السن فكر بأن يبدي نصيحة لصديقنا أيوب دون سابق معرفة أو مناسبة : ” إن الغناء حرام يا ولدي وهو مذموم في القرآن والسنة ” قال وأتم واعظاً .. وانتظره أيوب مبتسماً حتى أنهى كلامه، أخذ سماعة الرأس واعطاها للرجل وإذا به كان يستمع للقرآن الكريم في حين إن الرجل ظن بأن سماعة الرأس لا تصلح إلا للغناء! .. ترك أيوب هاتفه وغادر الباص مسرعاً وبعد يومين وجد منتحراً من على جسر المدينة وقد كتب في وصيته:
(أخيراً فقد أيوب صبره واختار نهايته! فلا تبحثوا عن سبب إنتحاري وموتي فقد ضاع دمي بين الركّاب والباصات).