عربة الموت

 

عربة الموت

عشر سنوات مرت وهو يصارع الحياة ،

بدأت بيوم ومن ثم شهر فسنة فسنوات على أمل حصوله على تعيين حكومي في الملاك الدائم، ها هي 10 سنوات تمر وهو يعمل حمالاً يدفع عربةً في مناطق بغداد التجارية بعد ما أنهى دراستهُ الجامعية وحصوله على شهادة البكلوريوس في التربية ،  مرت الأيام وهو يصارع من أجل لقمة العيش وسد الرمق وأعانة عائلته بعدما أصبحت مسؤليتةً في رقبته حين أستشهد والدهُ وهو يدافع عن أرض الوطن من دنس داعش التكفيري  ، منذ الصباح الباكر وحتى المساء يعملُ بجد وشغف ، يوم بعمل وأخر من دونه فالأرزاق محدودة ؛

يحزن كثيراً عندما يرى صديقه أحمد الذي لم ينهي دراسته الإبتدائية ويعمل مسؤولاً أمنيناً في المنطقة الخضراء.

ويحزن ايضاً عندما يرى أخوه عادل الذي حصل على وظيفة بعد فتره قليلة من تخرجة من كلية القانون ينادينه ( بالحمال ) وهو الذي أفنى العديد من سنوات عمره في هذا العمل المجهد لكي يقدم الية الأموال والأحتياجات اللأزمة لإكمال تعليمه.

يذرف الدموع عندما يتذكر حبيبته (أمل) التي تقدم لخطبتها قبل سنتين وسأله والدها عن عمله وأجاب قائلاً:

(  أعمل حمالاً أدفع عربة على أمل الحصول على وظيفة بعد هذا العمل المؤقت )

ثم سكت لبرهة ورد عليه قائلاً سنرد لك الجواب، وجاءه الجواب حين رأى زفة عرسها بأم عينه

تقتله الحسرة عندما يرى الشباب بملابس زاهية جميلة ومشرقة مقارنةً بملابسه الرثة ؛

ادفع يا حميد فلكل شخص قسمته في هذه الحياة ؛

معاناة ومعاناة يحملها يومياً فوق كتفه ويدفعها بعربته عنوتاً بألم ومعاناة رغم وزنها الثقيل ؛

أرهقهُ العمل، أصبح هزيلاً مريضاً تشققت يداه كأنهما لحاء شجرة يابسة في فصل الخريف، يقف لألتقاط انفاسه او عندما تخور قواه من شدة الأعياء  تظهر صورة امه أمامه وصورة اخوته الصغار ؛

أدفع حميد

حميد أدفع من أجلهم أدفع من أجل ان يعيشوا حياةً كريمة

صاح منادي: تعال ايها الحمال وضع هذه الاشياء في السيارة ؛

-حميد : سمعاً وطاعة يا أخي

-أخوك ؟! ومن أنت لتكون أخي ؟ أنك مجرد حمال ذو ثياب  رثة ؛

يصمت بألم مستبشراً فرحاً ب خمسة الف دينار عراقي قدمها لها صاحب الحاجيات  سوف اشتري بها لأهلي خبزاً وبعض الخضروات.

وتدور عجلة الحياة كما تدور عجلة عربة حميد الخشبية التي أصبحت جزئاً من حياتة ونصفهُ الأخر وأنيست دربه ؛

فقد الأمل وتطايرت أمامه كل أحلامه وهو كما هو والأوضاع من سيء لأسوء

أخر يوم في عام 2016،  خرج منذ الصباح الباكر طالباً للرزق يجوب الشوارع التجارية

– سمع صوتا تعال أيها الحمال

– نعم سيدي ؟

– أحمل هذة الحاجيات لمنطقة السنك

– سيدي الأغراض كثيرة وعربتي صغيرة فهي لا تستوعب تلك الصناديق الكبيرة دفعتاً واحده أحتاج الى أن اذهب بها على دفعتين

– اذاً أذهب وسنأتي بحمال أخر

– لا لا سيدي سأحملها دفعتاً واحده توكلنا على الله ؛

حمل الحاجيات الى العربة دفعتاً واحده غير مبالي خوفاً من فقدان ذلك الرزق وان لا يحصل على غيرة طول يوم العمل وكما ذكر سابقاً فالأرزاق محدودة والمنافسة شديدة  فالكثير من الشباب اتخذ من الحمال ودفع العربات مهنةً له يسترزق منها.

ها قد تقطعت أنفاسه وهو يدفع هذا الحمل الثقيل بشكل متواصل ومن دون راحة فهذا الزبون على عجلة من أمره.

أنهك بالفعل وبدأت عضلاته ترتجف من شدة الأعياء ولكن من دون توقف ؛

أدفع حميد،  أدفع  هيا أدفع نكاد نصل

أدفع صيفاً وشتاءً

ادفع حتى تصبح يداك والعربة الخشبية جسداً واحداً

ادفع من أجل أمك المريضة

ادفع من أجل أختك الصغيرة مريم التي أوصتك بأن تجلب لها كعكة للأحتفال برأس السنة ؛

أدفع من أدفع من أجل أبن أخيك الصغير الذي تحبة وكأنة أبنك والذي أوعدته بأن تشتري له ملابس بابا نؤيل في رأس السنة الجديدة ؛

أدفع من أجل تحقيق تلك الأحلام، أدفع من اجل من تحبهم

أدفع . أدفع . أدفع

وفجأةً يسقط حميد قبل ان يصل الى مبتغاه في منطقة السنك بأمتار قليلة ؛

سقط لا بفرط الأعياء والتعب، بل سقط غير مدرك  لأسباب سقوطه، عيون دامعة ودماء تغطي كل شيء، دخان أسود كثيف وأتربة وأشياء متناثرة ؛

ينظر ما حولة وهو مررمي على الأرض لم يدرك شيئاً ولا حتى للحظة فنظره كأنه سراب، وبدأت عيناه تظلم شيئاً فشيئاً الى ان وأفاه الأجل بالقرب من عربته الخشبية مع العشرات من الأبرياء أثر أنفجار دامي في منطقة السنك

فهناك أشخاص لم يحالفهم الحظ في العيش في هذه السنة الجديدة ؛

عاش زاهداً مناضلاً ومات شهيداً مضرجاً بدمائه ،

فهناك طرفة مظحكة أوصتني روحة الطاهره بأن أذكرها

(( ها هي جثة حميد الدامية وأطرافه المقطعة تحمل بنفس تلك العربة الخشبية وتدفع وسط أكوام الدمار والأشلاء المتناثرة في كل مكان))

ستضل أرواحهم الطاهرة والأقلام في الأيادي الحرة تعاديكم فتبت كل أياديكم دواعش السياسة أعداء الحياة .

الأحداث مستوحاة من الواقعة

اترك رد