خطبة عصماء

أنا أعرف ذلك الشخص جيداً، كان يحرم كلبه من الطعام لأيام حتى يكاد المسكين يأكل نفسه من فرط الجوع. خصوصاً إذا ايقظه في سويعات الصباح المبكرة بسبب نباحه الزائد. ومنذ أن سكنت أمه في بيت على طرف الشارع الذي يسكنه قبلها أتخذ وجهة ثانية غير التي اعتاد عليها لدخوله منزله حتى لا تراه فيجبره حياءه وخجله ليتقاسم معها ما أشتراه من طعام . أنا أعرفه كان نهماً، محباً جداً للطعام، وبنفس القدرأحب الكلام والمناقشات، حفظ على ضهر قلب الكثير من الأقوال والحكم لكبارالفلاسفة والعلماءلغرض استعراضها أمام أصدقاءه ومعارفه. من المهم أن يعتبره الجميع رجلاً فاهماً لخبايا الحياة.

سأله ابنه يوماً محتجاً لم تأكل ثلاث تفاحات بينما انا واحدة؟ والحق يقال ان الصبي تعود على هذه المحاصصة غير العادلة بكل اصناف الطعام إلاأن ما دفعه للوقوف بوجه والده وللمرة لاولى معترضاً, حبه الشديد لهذه الفاكهة. أجابه الأب بسرعة واثقاً من نفسه ململماً ما بان من جهة فمه :

أنا أكبر منك سناً وأتعب كثيرا

رد الابن متلعثماً بكلماته:

أي عمل هذا؟ أنت تقضي يومك جالساًعلى مكتبك.

تقدم نحو الابن بخطوات تحمل جسمه الثقيل الذي علقت فوقه جمجمة دائرية انتشرحولها شعر قصيرخفيف، وأحنى ضهره قليلا وهزّ سبابته السمراء الغليظة بوجه الصبي الذي دب الخوف بضلوعه. وبحركة مفاجئة استدارنحو مكتب تكومت فوقه أوراق وصحف بشكل فوضوي وخلفه كرسي ماليزي الصنع، ثم قال بعصبية مخيفة:

انا أدافع من خلال هذا المكتب عن المظلومين وافضح الافعال الشنيعة لكبارالموظفين.

وبعد برهة صمت أردف:

أنا أجهد نفسي من أجل العدالة الانسانية يابني ,والتي هي أسمى شيءفي الوجود.

ألقى خطبة عصماء بثقة وحماسة ، بدت للابن مملة وغير مفهومة مما جعله يهدل شفته السفلى ويلوي رقبته معلناً الانسحاب لإحدى زوايا البيت يأكل  تفاحته فيها بهدوء.

اخلاص داود

اترك رد