الرئيسية » مقالات متنوعة » حتى من تطأ قدماه القبر !!

حتى من تطأ قدماه القبر !!

Avatar

اخلاص داود
لم يكن غريباً يوماً وانت تتجول في الأحياء السكنية وترى تجمع من الشباب أوكبار السن في بدايات الطرق واركان الشوارع يتجاذبون اطراف الحديث والتسلية في تسعينات القرن الماضي, فالسياسة القمعية والحصار وماحمله من تضخم وبطالة وعوز حرمت العراقي من وسائل الترفيه, لدرجة جعلت ثمن الشاي الذي يطلبه في المقهى يحسب له حساب!, مما دفعه يسلك هذه العادة كمتنفس رغم مساوئها, ومع رحيل النظام الفاشي غادرها البعض وربما الشباب هم اوفر حظاً فالذين لم تزل تتنفس رئتهم ولم يصبهم مكروه من المتفجرات والحروب توفرت لهم الاتحادات الرياضية والنوادي والمقاهي وأجهزة التكنولوجيا الحديثة فيمتلىء يومهم على اخره متعة وتسلية وفائدة عقلية وبدنية …, بعكس المسنين فالذي كان يعمل بمهنة تتطلب قوة بدنية ووهن عظمه والمتقاعد الذي اقعده المرض وغيرهم من بلغ الخمسين وصعودا من كلا الجنسين في بلدي لم يجدوا الى يومنا هذا متنفس حقيقي يمنحهم البهجة والمتعة او تنمي قدرتهم الذهنية والبدنية والسبب عدة عوامل تظافرت وتشابكت واولها اهمال الدولة لهذه الفئة …
بعكس الدول المتقدمة التي أولت اهتماماً كبيراً بالمسنين منذ عقود مضت ابتداءاً من الوضع المادي المستقر ليغنيهم من استحسان الاخرين او العمل بمهنة ترهق عافيتهم او كرامتهم ,الى الوضع المعنوي كتقديم البرامج لتسهل من خلالها مواصلة التعليم حتى من بلغ من العمر عتيا كالسيده المسنة التي منحوها دراسة مادتين في السنة وبهذا حققوا حلم كان يراودها, وفتح برامج متنوعة للعمل التطوعي كالمستشفيات بما يتماشى مع عمرهم ووقتهم وما يرغبونه وتشجيعهم وحثهم لمنحهم هدف وسبب لوجودهم وانهم مازالوا معطاء, و الأهتمام بجلسات العلاج النفسي لزيادة تقديرهم لذاتهم وقدرتهم على التعبير عن انفسهم ومشاركة الاخرين همومهم, ليس هذا فقط وأنما هناك محاضرات تنمي احساس المسن بدوره كـ(جد) لمن فقد الاهتمام بهذا الدور ليتلافى القطيعة النفسية بينه وبين اولاده واحفاده. ولبث البهجة والارتياح فيهم هناك شركات سياحية متخصصة في تنظيم رحلات لهم, وغيرها الكثير الذي لا يسعها مقالي هذا والذي لا يوجد اي مما ذكرت في عراقنا السعيد.
أما العامل الاجتماعي الذي لا نستطيع اغفاله لأهميته المدمرة اذا كان في الاتجاه السلبي, كالنظرة والمكانة الاجتماعية ذلك الاطار المصنوع بحرفية القسوة والجهل والذي شب وعينا على أن يكون المسن يتكلم ويضحك ويتحرك ببطء كـ(الرجل الالي )وهذا نسميه (وقار) ! وبخلافه سنشكك بصحة عقله وتثار حوله تساؤلات حتى لو صحى ذات صباح ووجد نفسه بروح شبابية مبتهج واراد التعبير عنها!, وفكرة انهم غير مرغوب فيهم واصبحوا بلا فائدة تراود الكثيرمنهم بسبب التعامل غير الواعي لمن حولهم, لندفعهم بقصد او بدونه الى هاوية سحيقة من العدم واهمال الذات, واصبح من المسلمات لدينا أن يكون متذمر يائس حزين نكدي, دون معالجة والنظر بعين العطف والحنو والأفق الرحب لأيجاد اشياء لها القدرة ببث البهجة والارتياح وانعاش روحه, والكثير الكثيرمن المعانات يواجهها المسن حتى تطأ قدماه القبر دون ايجاد حلول مستدامة مستمدة من الواقع لمواجهة المشاكل العالقة منذ دهر المادية منها والمعنوية.

اترك رد