الرئيسية » مقالات متنوعة » المتقاعد بين الظل والانعكاس    

المتقاعد بين الظل والانعكاس    

Avatar

أ.د. عباس التميمي

عندما تصل الأنهار إلى نهاياتها تفيض سعة من الحب والجمال بعد رحلة من التكوين والتكامل  فربما تكونت تلك الأنهار من قطرة ماء صغيرة ، والأمر ينطبق على الأشجار وثمارها فتتكون من بذرة لتتكامل شجرة كاملة وقد وقفت بوجه كل صعوبات الطبيعة وتهديدات من يحاول أن يقتلعها ، وبعد تكاملها أنتجت ثمارها حلاوة وفائدة , ورحلة الإنسان تبدأ من نطفة ليتكامل ، بتكامله تعمر الحياة .

فالنهايات  لا تعني الموت بل تعني النضوج والخبرة المتكاملة ، بل هي رصيد لا ينضب  من صور تعالج كل خلل ، والنهايات فلاتر ترشيح لصفاء لمن يريد أن يحييا بسلام ، لأنه لمن يمتلك تجارب في كيفية معالجة المتطفلين الذين يريدون الاختراق بدون تتدرج أو تجربة تحت إي مسمى .

ومن هنا فأن جميع الدول المتحضرة  لا تترك رجالاتها سواء رجال أو نساء ممن كانوا يعملون عندها بعد أحالتهم إلى التقاعد أو نهايات الخدمة ، وخاصة ممن يتبوأ مناصب لا يظهر إبداعها  وإنتاجها إلا بعد سنين طوال من التعلم والخبر .

مع الأسف في بلداننا عندما يصبح الشخص خزين من الخبرات والعطاء ،ومثله كمل خزينة ممتلئة بالنفائس فيرمى بها خارجاً تبقى تلك الخزينة من التجارب والخبرة لا أحد يتذكرها أو يستفاد منها ، وهكذا حال المتقاعد ، رجل يعيش في ظل الضوء وكأن الحياة انتهت بالنسبة إليه فتراه  يصارع الخجل والفراغ أما بالموت أو الجنون أو بالعمل المستهلك الذي يحوله إلى مجرد آلة ، لاحتراق ما تبقى من عمره ,

اليوم نحن مطالبون بفرز من له خبرة  طويلة في العمل ويمكن الاستفادة منه وعدم وجود شائبة علية ، أن نخصص لهم غرف في دوائرهم والدوام يوم واحد في الشهر ، وتحديدا عند استلام الراتب ، لعرض عليه بعض قضايا الدائرة ، وإشراكه في مقترحات مشاريعها وسلمها الإداري ، أو أي مقترحات أخرى من أجل النهوض والتقدم ، وهو أمر مهم جدا ، لنحسسه أولا بإنسانيته واهتمام المجتمع لاستفادة من خبراته ، وهذا الأمر ينطبق من رأسه الدولة الى أصغر موظف ، فلنجعل من راتب التقاعد راتبه حياة مستمرة لا لنهاية الخدمة أو ثمن يعطى بلا حياة .

مع الأسف البعض لا يحترم الشخص الذي يخرج من وظيفته ، وينظرون له أنه رجل فقد كل شيء ولم يعد يعطي أنتاج ، ويتعامل كغيره ممن لم يقدم عطاء أو شارك في بناء هذه الدولة .

فعلى سبيل المثال لا الحصر موظف الضريبة وما امتلكه من خبرات ، أستاذ الجامعة وما امتلكه من خبرات ، قائد عسكري وما امتلكه من خبرات ، موظف شركة إنتاجية  وما امتلكه من خبرات ، وكل من يمتلك خبرة لبناء هذا البلد ويمكن الاستفادة منه ، لا يمكن أن نفرط به ، ونستفيد من خبراته .

كم من مدراء الدوائر أرسلوا على المتقاعدين لأخذ رأيهم في أمر ما قد استعصي عندهم ؟

كم من قائد عسكري أرسل على  زملائه المتقاعدين من القادة الميدانيين لاستفادة من خبراتهم ؟

كم من رئيس جامعة أرسل على زملائه من رؤساء الجامعات لاستفادة من خبراته  ،

كم من الوزراء أرسل على من سبقه واستفادة من خبرته .

لماذا نحول المتقاعدون إلى أموات يموتون ببطء يتسكعون في المقاهي او ينعزلون عن الحياة  في بيوتهم ليتصادموا مع عائلاتهم  من كثرة الفراغ ويصل البعض بهم الى الفراق عن عائلاتهم ، وغيرها من الأمور الحزينة ، هذا جزاء من خدم مجتمعه .

بالطبع هنالك متقاعدون رفضوا الموت ألسريري ، وانطلقوا بعد أن تسلموا شهادة تقاعدهم  من جديد ، وقد نجحوا نجاح باهر بل كان التقاعد بالنسبة لهم ولادة

، فبالرغم من الخدمة الطويلة في دوائر الدولة ولكنهم لم يبنوا أنفسهم ،والتقاعد وجدوا والإعمال التي يمكن أن تعويضهم الراتب الشهري الطويل ، ليقبضوا كل يوم راتب شهري ، ولكن مثل هؤلاء معدودون أو أن لهم ماضي متزامن مع عمل دوائرهم ، ولمن إلا كثرية ليس كهؤلاء فهؤلاء محدودون .

على العموم لابد من أعادة النظر فيما أردنا قوله في هذه الخبرات ، وليس القصد أعادة تعينها أو مكافئتها ولا بأس بمكافئتها من الاستفادة من طاقاتها الخزينة وعدم تركها تموت وهي تحتفظ بهذه الخبرات النفيسة ، من خلال أيجاد آلية لهذا الأمر

ونحن اليوم بحاجة إلى تلك الخبرات من اجل النهوض بواقع بلدنا , ولدينا صورة حية على تكامل الخبرة والنضوج ، إلا وهي تكليف رسولنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالرسالة السماوية عندما بلغ الأربعين من عمره ، فالإنسان عندما يتقدم به العمر ينضج لا يموت أو يركن ، فالنفس الصاعد والهابط  يعني الإنتاج والإبداع  والحياة لا تنتهي إلا أذا أراد الله جل علاه إيقافها .

 

اترك رد