الرئيسية » مقالات متنوعة » الحب الإلكتروني : ريم قيس كبّة

الحب الإلكتروني : ريم قيس كبّة

صاحب عبيد

الحب الإلكتروني
ريم قيس كبّة
“ماذا كنت تفعل؟”.
– “كنت أكتب كالعادة”.
– “وماذا كنتَ تكتب؟”.
– “أبدا.. لا شيء مهم.. إن هي إلا كتاباتي اليومية العادية.. أنا أفعل ما أجيد لأكسب به قوت يومي.. لكنني في الحقيقة لا أفعل ما أحب.. فأنا منذ مدة مسكون بفكرة واحدة.. لكنها مازالت عصية على القلم.. دعيني أسرَك أن في داخلي رغبة عارمة تلح عليّ بأن أكتبكِ”.
مع وقع هذه الكلمات فقط ابتدأت تحس صوبه بشيء مختلف.. لا لأنها تذوب عند أول كلمة حب أو غزل مثل معظم النساء.. ولكن لأنها أحست بصدق نبرته وهو يتفوّه بها.. فبدا لها وكأنه كان يتمتم بصوت عالٍ بما يدور بباله.. أو أنه ربما أخطأ بالاعتراف أمامها دون قصد.. حتى إذ ساد بينهما صمت بعد تلك الجملة حدست أن تسمع منه اعتذارا.. رغم أنها تمنت من صميم قلبها أن يخطئ حدسها..
وعوضا عن ذلك عمد إلى ربط ما قاله بالحديث عن قصة أخرى.. وصار يروي لها تفاصيل علاقة قديمة اجتاحت كيانه ذات يوم.. وجعلته يعرف طعم الحب الحقيقي.. أحست للمرة الأولى بأنه يفتح لها قلبه.. وبأن مسار الحوار بينهما دخل في ممر جديد.. ومع هذا فقد كان كمن يحاول أن ينفث دخان الكلمات ليغلف بها ما صدر منه خشية أن تسيء فهمه أو أن يبدو ما قاله تجاوزا للحدود التي رسمتها علاقتهما.. فكلمة زمالة وصداقة كانت أكبر من أن تمس.. ولطالما راهنا عليها في حواراتهما التي طالت عبر شبكات التواصل.. حوارات رسمت صورة لتلك الصلة التي ربطتهما لردح من الزمن كان يكفي لبناء الثقة وتعمير بنيان الترابط.. فكانا صديقين بامتياز أو قريبين يعيشان معا تفاصيل اليوم متحدين البعد الجغرافي الذي وضع كلا منهما على طرف من أطراف الأرض.. بيد أن ما أربكها اليوم لم يكن سوى عدوى سرت في جسدها وقد بثها ارتباكه.. ففراغهما العاطفي وملل الحياة وألمها كان أن جعل واحة الحوار بينهما تتسع يوما بعد يوم.. حتى أسفرت المشاعر عما يجعل القلب يدق بما يشبه الحب..
“لكنه ليس حبا ولن يكون!”.. هكذا راحت تهدّئ من روع ارتباكها اللذيذ وهي تذكر نفسها بمعنى كلمة حب.. ذلك الإحساس الغامض الذي تتضافر فيه الحواس والأفكار والعواطف.. ذلك الذي لا يمكن أن يكون تاما حقيقيا دون دفء لمسة وارتعاشة أصابع وعبير أنفاس وعسل من رضاب.. أما السمع والبصر فإن هما إلا عتبة البداية.. ولم يكن القدر قد كتب لهما لقاء إلا على الشاشات الزرقاء الباردة.. فكيف لها أن تعشق طيفا وهي تحضن برد وحدتها كل ليلة؟..
لقد فتحت الحياة العصرية لها ألف شباك وشباك لم يكن أي منها متاحا من قبل.. بيد أن القليل المتاح حينئذ كانت تكفي دقائق معدودة منه لتبلّ رمق سنين من عطشِ المشاعر.. حدثت نفسها أخيرا وهي تنوي أن تغلق ذلك الشباك دون ارتباكها “..وليقل عني ما يشاء.. فأنا امرأة كلاسيكية انتمي لعصر روميو وجولييت.. مستعدة للموت حبا.. ولكنني لست مستعدة أن ألعب دور الحب دون أن أعيشه.. وأظن أنني آمنت تماما بأن من يعشق إلكترونيا.. يموت حسرة!”..
صباحكم حب حقيقي..
شاعرة عراقية مقيمة في لندن

اترك رد