من تلتحف بعطرهم ذاكرتنا

اخلاص داود
..بحرٌ متلاطم بالمشاعر والاحاسيس، تلك التي تجتاحنا في رحلة حياتنا، تجرفها إلينا الأقدار والظروف والصدف، لتسهم في فرحنا وحزننا، بنائنا اوهدمنا!.

ومشاعر الوداع إحداهن؛ تغزونا ونحن نطوي ورقة من فصول حكايتنا، او حلقة من سلسلة حياتنا، لتلتحف بعطرها ذاكرتنا بإرادتنا أم بالغصب عنا.

و أولها وداع مرحلة الطفولة ببرائتها وطيبتها لتبقى حاضرة في نفوسنا، نتذكر افكارنا الغريبة وتصرفاتنا المضحكة او المشاكسة، وكيف تلقينا التأنيب وربما العقوبات الجسدية على افعال كنا نراها في وقتها بسيطة وصغيرة لكنها كبيرة ومؤذية عند ذوينا، وساعات البكاء والحزن التي نقضيها في السابق نضحك عليها بمليء افواهنا في الكبر ونحن نتذكرها ونسردها من باب الفكاهة او التجربة لغيرنا، ونستغرب من انفسنا كيف فكرنا هكذا وكيف فعلنا ذلك!!..

ووداع من نوع اخر يشقينا ويترك ندوبا في ذاكرتنا، فبعد ان تهتز روحك بنظرة من شخص تظن انه نصفك الآخر ورفيق الدرب المستقبلي فيرقص قلبك بين الضلوع طربا وفرحا، وفي غمرة النشوة يصرخ صوت في داخلك فتقف وسط دوامة متعاكسة من الافكار والمشاعر، فدينك وتربيتك وتقاليدك لم تبنيك على هذا الاساس وتلك الطريقة، وتبدأ الاسئلة تثار في دماغك هل ما افعله صواب ام خطأ؟.

خصوصا اذا لم يكن ارتباطا صادقا وحقيقيا ونهايته لا ترضي الله والاهل، فيقف العقل حاكما عليك، حتى يبدأ الوداع بطعم العلقم وانت خائف ومتردد ان تجلدك الذكريات والإشتياق والحنين، فتتلوى في فراشك اياما وايام، لتصحو بعد ذلك بفكر واضح وروح مطمئنة برضا الله وضميرك،

وعقلا يعرف اختيار الشخص المناسب…

ليودع معه حياة العزوبية بكل هوسها وجنونها ويبدأ حياة زوجية تملأها الثقة والتسامح والعطاء واخلاق كما اوصى بها الله ورسوله متخذا من اخطاءه وتجاربه دروسا تجعله يتحكم بسر حياته وتصرفاته المستقبلية..

وقد تودع قلوبنا اشخاصاً الى الابد لتفصلنا عنهم آلاف الكيلو مترات الوهمية لتبقى اجسادهم فقط قريبةً منا!.

واشقى وداع هو من تبقى صورهم عالقة على جدران ذاكرتنا،

وصدى اصواتهم وضحكاتهم في اركان البيت،

وتبقى ارواحنا عطشى للقائهم مهما طال الفراق وكلما جنّ الليل تمنينا ان يعجل الله بقدره لنلحق بهم.

والوداع الذي نطرد افكاره كلما حلقت حول رؤوسنا،

سيفترسنا يوما مهما استبعدناه، ونستسلم اليه شئنا ام أبينا، ونحن نتلمس وجوهنا امام المرآة ونرى التجاعيد قد غزت وجوهنا، فشبابنا ذوى، ونعترف حينها مكرهين ان العظم قد وهن وما كنا نفعله قبل سنين قريبة لا نقوى على فعله اليوم، واننا ودعنا ايام الشباب والصحة والقوة، اما فرحين بانجازاتنا وما حققناه، او خائبين متحسرين على العمر الذي انقضى ولم نحقق ما كنا نصبوا اليه.

اترك رد