سيلفي ناصر القصبي

ناصر القصبي فنان كوميدي موهوب . استطاع أنْ يؤكد حضوره في الكوميديا العربية الفقيرة والشحيحة . واقول ذلك لأنّ الفنانين الكوميديين العرب ، قد جعلوا من الكوميديا فنا رخيصا ، يعتمد على الطرائف التي تلامس العامة من الناس ، دون أنْ ترتقي بوعيهم . لذلك فقد أغرقت الكوميديا العربية نفسها في التهريج ، لإنتزاع الضحكة الغبية الصفراء من مدمني الشاشة الصغيرة . التهريج لايصنع إبتسامة لأنه مفتعل ، بينما البسمة الجميلة تأتي إستجابة لمعطى فكري ومغزى شعوري ، وإنها تفترض درجة معينة من الوعي كي تصبح طريفة أو نكتة .وعليه فالطريفة / الكوميديا هي معطى حياتي فيه من العمق مايجعله يتحاور مع الأسس الحياتية المعمقة . لقد كانت الكوميديا العربية إهانة لخصائص الذكاء البشري . تلك الكوميدية التي تحولت الى تجارة رخيصة .
عادل إمام وحسين صالح وغيرهم كانوا موهوبين في الكوميديا العفوية ، ولكن الفكر المسرحي التجاري حولهم الى موميات يعتاشون على نجاحاتهم المبكرة . تحولوا الى التهريج بوصفه وسيلة النجاح . لكنهم لم يدركوا انهم فشلوا في أنْ يسجلوا أسماءهم في كتاب الكوميديا الذهبي .
ناصر يختلف عنهم تماما . فالرجل يمتلك قدرات كوميدية هائلة ، تعتمد على التعبير الذي إختطه شارلي شابلن . وهو الإيماء الذكي ، والذي يتغلغل بين الناس . ناصر قادر على إضحاك الناس من خلال الإيماء فقط لأنه إمتلك موهبة كبيرة في التعبير الكوميدي . . ولكن المشكلة التي واجهها ، أنه يعيش ضمن مجتمع يعتبر النكتة خروجا على القبيلة ، ونوعا من الإستهانة بالقيم المألوفة. في مجتمع متحجر ، يعتقد أن المسلمات التي يؤمن بها غير قابلة للحوار ، أو غير قابلة حتى للتنويه أو ألإشارة .
إزاء هذه المطبات صعد نجم شخص إستطاع أنْ يؤسس فهما شاملا لمعنى الكوميديا ، من خلال ترصد الأوضاع في بلد يتأرجح بين الصرامة الدينية وبين متطلبات الحياة . وقد إشتغل ناصر على هذه الثيمة وأغرقنا في ضحكات هادفة ، تجاوزت التأزم في حدود معينة وكأنه يجسد بحركاته العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه ، وذلك من خلال مسلسلاته الشيقة ( طاش ما طاش) معتمدا على قدرته التعبيرية الهادئة والهادفة . وقد إستطاع أنْ يستفز أساطنة الفكر المتحجر من ناحية ، وإستطاع من الناحية الثانية أنْ ينتصر للمهمشين والمغلوبين على أمرهم . وقد أثارت مسلسلاته الكهنوت الديني في السعودية ممثلا بمشايخها وساستها ، لذلك فقد إعتبروه خارجا على الملة وأهرقوا دمه بإعتباره زنديقا .
لكن ناصر تحداهم ، وبقي وفيا لفكره التمثيلي الذي يجعله وسيلة للتغيير . أورفضا للأأفكار المدانة . وقد قبل التحدي وكانت سلسلة مسلسلاته المعنونة ب( سلفي) التي استطاع من خلالها ، أن يضع أصابعه على أكثر الجروح ألما في جسد أمة تدّعي أنها أمة واحدة ، وإنها خير إمة !
الذي جعل ناصر خارجا عن قيم الجماعة ، هو أنه عالج بعض المناطق الرخوة التي صدّعت الأمة . الا وهي استخدام الصيغ المذهبية والتي تدعي أنها على الصراط المستقيم ، وغيرها على ظلال مبين .
الذي جعلني أنحني له إعجابا ، أنه سفّه آراء الفريقين المتناحرين ، واللذين يكفر أحدهما الآخر ، دون أن يفصح عن ذلك . بل ترك المشاهد هو الذي يحكم من خلال كوميديا ملتزمة عمدت الى وضع يدها على الجرح الذي يدمي أوطاننا .
سلفي ناصر القصبي إنتصر بإنسانيته وبحياده على منابر الكراهية والتكفير .
صالح القصبي فنان مطلوب للحرق او الذبح أو الإعدام . يجب عليى كل المثقفين العرب أنْ يقفوا سندا لمواقفه الإنسانية في سبيل بناء جيل لايعرف الكراهية

بقلم: رحمن خضير عباس

اترك رد