اخلاص داود
حسين علي داود
حسين طارق عبد الحسين
لم تنساها يوما, ولم تمل من ذكر قصتها, ترويها لنا بقلبٍ مفجوع وعيون تمطر حمماً, ونشيج يربك كلماتها…..
تطلق عليها اوصاف فتقول تلك المسكينة, المظلومة, الضحية, المغدورة, وغيره الكثير الذي تردده بتلذذ وألم, كأسماء الله الحسنى, كلما اشتد عليها المرض.
أنها العجوز العليلة منذ ذلك اليوم الذي قذفوا ابنتها بأحضانها متهمينها بالعهرواهدار شرفهم وهي التي (زفتها) بيديها لابن عمها عروس كالبدر بثوبها الابيض البراق.
تتذكر كيف اخذوا يرغون ويزبدون وبعد ان تصادمت واحتدمت أرائهم اتفقوا على قتلها, فغسل العار من شيم الرجال.
وتوجهت اصابعهم الى الصبي محمد لقتلها, فهو شقيقها ورجل البيت بعد وفاة والدها, ووافق مجبورا ودموع الخوف تنهمر بهدوء على وجنتيه
وكانت الخطة, ان يأخذوها الى وكالة الطحين خاصتهم ليربطوها ويسقطون أكياس الطحين عليها بحجة انها كانت تنظف وسقطت الاكياس عليها……وفعلا نفذ الامرفي الليل وبعد ساعة رفعوا الاكياس وجدوا لونها اصبح ازرق وشكلها مريع لكنها تتنفس وبعد التفكير اخذوها لأطراف المدينة و صوب اخوها الرصاصة على صدرها, ليدفنوها ويعودوا منتصرين.
ولكن في الصباح التالي جاءت امراة تسكن قرب مكان دفنها لتهددهم ان يرفعوا الجثة التي ارعبت اولادها طوال الليل وهم يسمعون أنين الفتاة!!, فرجعوا نبشوا القبر ودفنوها قرب مكب النفايات خارج المدينة.
ولكن شاء القدر لتكون احدى اقاربهم طبيبة نسائية تتقص عن الموضوع خصوصا بعد ان علمت ان المرحومة قد تعرضت الكسر في حوضها بحادث سيروهي صبية لتطلب التقارير الطبية والاشعة التي كانت محفوظة مع مقتنيات المرحومة وعرضته على اكثر من دكتور وكان نفس الجواب ان نسبة 90% من غشاء البكارة قد تمزق بسبب الحادث.
هذه واحدة من حوادث كثيرة راحت ضحيتها فتيات بعمر الزهور فدفعتنا للتحقق وكشف الغطاء الديني والقانوني الذي تهاون وجعل هذه الظاهرة مستمرة الى يومنا هذا.
بدأت رحلة التقصي من الجانب القانوني كونه اليد الاقوى على الشعب.
ازدواجية بين القانون والدستور
وجاءنا الرد من المحامي عزيز اسماعيل حين قال: هناك أحكام لكنها مخففة فإن المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، منحت الحق للرجل بتطبيق القانون بنفسه مع منحه عذرا مخففا للعقوبة وقد يعاقب لمدة سنة مع وقف التنفيذ، في حين لم يتطرق القانون الى الحالة المعاكسة، أي فيما لو فاجأت المرأة زوجها في فراش وقامت بقتله أو ايذائه، كون المشرع لم يمنحها عذرا مخففا، الامر الذي يعد مخالفا لأحكام العدالة وتمييزا بين الحقوق للطرفين ويتناقض مع احكام المادة 14 من الدستور التي تؤكد ان العراقيين متساوون امام القانون دون تمييز. كما تنص المادة 409، على انه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبسها بالزنى أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل احدهما أو اعتدى عليهما أو على احدهما اعتداءً أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة.
كما اضاف المحامي امجد وحيد حين قال: . لقد كشفت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، عن وجود 11 حالة قتل نساء خلال الأشهر الماضية، غالبيتها نتيجة “غسل العار” وعدّت أن العقوبات التي يفرضها قانون العقوبات في تلك القضايا “مخففة” , كما أكدت وزارة الداخلية أن تلك “الجرائم عادية ولا تشكل ظاهرة ” , للأسف بدأت ملاحظة هذه الظاهرة المؤسفة حقاً من خلال الدعاوى التي تندرج” تحت مسمى غسل العار بينما هي بحقيقتها تصنف تحت قاعدة القتل العمد فيما لو تم إثبات عذرية الفتاة بعد تقرير الطب العدلي، لكن دائما ما نرى بأن معظم هذه الجرائم تؤطر تحت مسمى غسل العار ويفلت الفاعل بجريمته بسبب المادة القانونية ]409 [ التي تعطي حكماً مخففاً عادة لمرتكبيها”.
واضاف وحيد، ” في اقليم كردستان هناك حالات قتل وحرق النساء بذريعة غسل العار بدعوى انتحارهن التي تتزايد بشكل غريب، ” فنظرا لتزايد هذه الحالات أضطر نواب الاقليم الى تشريع قانون جديد يهدف الى الحد من قتل النساء والتعرض لهن بذريعة غسل العار من قبل الاهل والاقارب، اما مجلس النواب في الحكومة المركزية لم يناقشوا او يشرعوا قانون جديد يهدف الى الحد من هذه الظاهرة.
كما صرح بدوره المتحدث باسم وزارة الداخلية، سعد معن، في حديث إلى (المدى برس)، إن “الجرائم التي تحدث للنساء ليست ظاهرة، بل هي عادية تحدث بين مدة وأخرى”، مبيناً أن تلك “الجرائم تتكرر في بعض المناطق، بسبب الصراع العشائري، وغالبيتها نتيجة غسل العار”.
وذكر معن، أن تلك “الجرائم تسجل في سجلات الداخلية وتمر مرور الكرام، كغيرها من الحوادث الجنائية”، مستدركاً “لكن من الطبيعي أن يتم التحقيق فيها لمعرفة ملابساتها، حيث يتم كشف خيوطها والتوصل إلى الجاني في أحيان كثيرة”.
وحسب احصائية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية العراقية قبل مدة وجيزة، إن ” عدد النساء اللواتي قتلن بدافع الشرف وفق المادة [209] من قانون العقوبات العراقي، بلغ [49] امرأة من مختلف المحافظات.
عندما تتغلب الاعراف العشائرية على احكام الله
وكانت رحلتنا الثانية المعرفة رأي الدين والحكم الشرعي بخصوص جرائم الشرف فأجابنا الشيخ محمد رضا قائلا: ان الخطاب واضح والآيات واضحة التي تنهي عن هذه الجرائم وهذا العنف الرمزي حيث أن قتل المسلم بغير حق أمر عظيم وجرم كبير، قال الله عز وجل:( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ). النساء/93
وتفسيرها واضح فلا يجوز ان تقوم الاسرة او القبيلة بالحد دون الرجوع للقرآن والسنة النبوية . وإن فرضنا جدلا إن المعصية حصلت فعلا بالمواقعة غير الشرعية هنا حدد الشارع الاسلامي بضرورة وجوب اربعة شهود، قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). النور/4
واذا تحقق ذلك، ووفق الدين الإسلامي الحنيف فإن عقوبة الزنى على المسلم غير المحصن، الجلد 100 جلدة مع التغريب سنة، وكذلك المسلمة، ذكرت في القرآن :(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ). النور/2
ولكن للأسف ما نشاهده اليوم بعيد كل البعد عن ما جاء به الاسلام بل هو اجتهاد واستنباط شخصي للأحكام وفق قانون عشائري تجاوز الدين والشريعة بداعي غسل العار وشرف العشيرة وما يعاب على هذا العرف كون الاحكام تكون جائرة وظالمة لا تخضع لشهود بل تقوم على الوشاية والاشاعات وأن القتل على الظن فقط، هو قتل غير جائز شرعا، لأن الشريعة الإسلامية رسمت طريقا محددا لمن يرتكب هذه الجريمة، وإن وقعت ولم يؤت بالشهود او اختلف الشهود فيما بينهم هنا تنتقص الجريمة ويكون باطلا ويستدرك قائلا، ” ولا يقدم الإخوة أو الآباء أو الأزواج على الانتقام من المتهمة لما يقال عنها، وغاية الأمر ينبغي عليهم الستر، وان رأوا انه لم يأت بالنتيجة المرجوة فالقضاء هو من يتولى الأمر بالتأكد من الجريمة والتحقق منها ثم إصدار الأحكام بعد ذلك”.
مايظهر للسطح هو الابشع دائما
وبعد ان عرفنا راي القانون والدين شدينا الرحال الى علم النفس لمعرفة تاثيرها على هذا السلوك حين قال الدكتور النفسي مرتضى البدري : السلوك الانفعالي الذي يجعل من الانسان اعمى عن رؤية الحقيقة والصورة الكاملة نتيجة برمجة اجتماعية جعلت من الرجل يتحرك بدون عقل ليقتل اقرب الناس اليه باسم الشرف ,يمارس ابشع جريمة بحق كائن بريء كل ذنبه انه انثى.
هذه العقلية الذكورية تمارس القتل والعنف الرمزي قبل الجسدي ولكن ما يظهر للسطح هو دائما المحسوس الذي يخفي ورائه مجرم باسم الشرف.
الرجوع الى ماهية الشرف يوضح لنا الغباء الذي يعيشه الانسان عندما يجسد التفكير الاختزالي , حيث يختزل الشرف بالجسد , في حين ان هذا الجسد قد يتعرض للاغتصاب , والاستعمال الأداتي من قبل حيوان بهيئة رجل.
المراءة بحاجة ماسة لقانون يحميها من هذه الهيمنة الذكورية التي شيئتها , حولتها الى سلعة , اداة لذة .هذا التحقيق هو خطوة اولى للكشف عن صورة المراءة التي يحملها المجتمع العراقي والتي تجعل اعادة ظاهرة الوؤد من جديد , فهذه علامة على تحكم العقل الجاهلي فينا لغاية الان.
الباحثة الاجتماعي شروق فاضل مديرة مركز عراقيات قالت: ان جرائم قتل النساء غسلا للعار أصبحت يومية، وان غياب إحصاءات دقيقة، وعدم وجود دراسات توثق وتؤشر لهذه الظاهرة، اكبر دليل على عدم الجدية في التعامل مع هذا الموضوع. ووصفت العبايجي المرأة العراقية بانها ضحية ولا محامي يدافع عنها.
ورغم ان الظاهرة أخذت حيزاً كبيراً وواسعاً في وسائل الإعلام كافة وخضعت لمناقشات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان، ومع ذلك لم يتم الوصول لحلول قانونية او عشائرية تمنع تنامي هذه الظاهرة الخطرة حتى هذه اللحظة، لكن ما نحن بصدده هو اتساع رقعتها لتصل الى قتل النساء من دون حتى التأكد من ممارستهن الخيانة أو الزنى، لمجرد الشك أو وشاية ما، فقط لا غير تزهق روح المرأة التي تعطي لحياتنا المعنى وترسم بأناملها الرقيقة أجمل دقائق الجمال.
شرف الرجولة , شرف العائلة ,شرف العشيرة, كلمات جعلت الخطيئة حكرا على المرأة و لصيقة بها و خطيئة الانثى القتل تدفن لكي تدفن خطيئتها معها.
فلابد من اجتثاث العصبية المقيتة وتجذير وغرس قيم المحبة والتعامل وفق مبدأ الثقة بدلاً من الاحتكام الى لغة العصبية واصبح ضرورة ملحّة وسط هذا الإهدار المؤسف لضحايا بريئات براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وتغليب لغة الحوار بدلا من السلاح الذي لا ينفع معه ندم، وهذا نداء الى المشرعين في البلاد لتشديد العقوبات بما يتعلق بجرائم الشرف، فالمرأة العراقية تحديداً تستحق كل الثناء والبذل، وفاءً منا لصبرها ومقاومتها النوائب والأزمات وهي الرفيقة والام والزوجة، انها وديعة مقدسة، دعونا نصون هذه الوديعة.