الرئيسية » مقالات متنوعة » غصة كبيرة جداً!

غصة كبيرة جداً!

علاء سعدون

غصة كبيرة جداً!
أتذكر ذلك الطفل جيداً .. كيف لا وقد أعطاني درساً في الوطنية لا ينسى، درساً لن يفهمه أولئك الذي الذين يتخذون من وطنهم صفقة مؤقتة ستنتهي ذات يوم، ثم يسافرون الى اوطانٍ أخرى من أجل حياة لم تكلفهم سوى بيع ضمائرهم، وتجويع الفقراء، والتسبب بموت الألوف لا أكثر!
كما نفعل عادة حين نصادف أحد الأطفال الذين سُرقت حقوقهم وباتوا يعملون في سنٍ مبكرة مضحين بدراستهم ومستقبلهم من أجل لقمة العيش، سئلت الطفل محمد ذو الثياب الرثة عن عمره وأهله ومكان سكنه فأجابني بعفوية وبراءة: ” إحدى عشر سنة واعيش مع أمي في بيت كبير والحمد لله” إلا إني لمحت شيء من الحزن في عينيه، قلت أين منزلكم؟ قال لا أستطيع أن أخبرك بذلك، أمي لا تقبل.
وبعد حديث طويل يخبرني إن بيته الذي قصده هو العراق، قائلاً: “أمي دوم تكول احنه بخير وعايشين وبيتنا العراق بكبره، بس هسه هي مريضة وما تكدر بعد تخبز للناس حته ينطوها خبز وهدوم، وطلعت ابيع كلينس علمود اجيبلها دوه”، هذا الطفل اليتيم وأمه الأرملة الثكلى يؤمنون بأن العراق منزلهم ولا فرق بين النوم على الرصيف أو في بيت من طين ربما يكون هو غاية مناهم وبمثابة القصر لهم!
ما أدمى قلبي أكثر من ذلك هو جوابه حين سألته عن أكبر أمانيه فقال: “أتمنى أمي تطيب وترجع تخبز للناس حته تجيبلي هدوم واتسجل بالمدرسة والمعلمة تكتبلي أحسنت يا بطل”!
هل نعلم من هو المسؤول الحقيقي والمباشر عن هذه المشكلة، وعن ضياع الملايين من الأطفال ممن نطلق عليهم تسميات مشينة وقبيحة (متسولين وأطفال شوارع) دون أن نبادر لاحتوائهم ومساعدتهم!
عندما تكون وزارة التربية بهذه النمطية في تسجيل الأطفال ضمن المدارس ولا تبادر لاحتوائهم والبحث عنهم وتوفير المدارس القريبة لهم مع كافة متطلباتها اليسيرة فهي مسؤولة عن ذلك دون شك، بل الكثير من الوزارات والدوائر، إلى جانب المؤسسات التي تدّعي العمل المدني والخدمي في العراق والأحزاب والتكتلات وكل وزير ونائب ومسؤول يسكن في قصر لا يتجرأ الفقير حتى على الحلم برؤيته من بعيد!
مشاكل كثيرة تتراكم يوم بعد يوم كتراكم أموال العراق في الأرصدة خارج حدوده، ولا ضحية إلا المواطن والغصة كبيرة جداً .. إلا على المسؤول.

اترك رد