*اخلاص داود
تعني مهنة التدريس الاتصال اللفظي والحسي بالدرجة الأولى ولا يكون اتصالا فعالا إلا من خلال مهارات الأستاذ في الإقناع، من خلال الأسلوب العلمي السليم وطريقة الحوار الودية اللطيفة من اجل تنظيم مناخ تربوي اجتماعي نفسي صحيح، يساعد على إيصال المعلومة للطالب واضحة خالية من التشويش، وبهذا يكون الطالب عنصرا ايجابيا ولا ينحصر دوره في التلقي السلبي فقط.
وتعد مهنة التدريس بحسب المختصين، أم المهن، لأنها هي التي تنتج المهن الأخرى، ولكن ثمة تساؤلات تدور حولها، منها مثلا لماذا اضمحلت وتدهورت هذه العلاقة واستبدلت بعلاقة يشوبها التوتر وعدم الثقة والتشنج وربما الضغينة والكراهية، وأحيانا يصل الأمر الى العراك بالأيدي؟؟، ثم لماذا تغيرت مواصفات الأستاذ والطالب واستبدلت بمواصفات جديدة هدامة، هذه كلها علامات استفهام يثيرها كل من يتابع العد التنازلي لعلاقة الأستاذ البناءة مع الطلاب.
ولأهمية الموضوع في المجالين التعليمي والتربوي، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بمناقشة هذه العلاقة مع من يهمهم الأمر، ونعني بهم طرفيّ هذه العلاقة الأستاذ والطالب، لكي نجمع بعض الآراء التي تحاول الغوص في هذه الظاهرة، وكيفية معالجتها، علما أننا لم يدفعنا الترف الذهني نحو هذا الموضوع، ولا هي محاولة من اجل ملء صفحة في صحيفة ما، وإنما هو سعي جاد للإسهام بالكشف عن العلة والمعلول فيما يتعلق بهذا الموضوع الذي نعتقد بأنه حيوي، علما أن أي توسّع في الفجوة الحاصلة بين الطرفين يتحمله الجميع.
في البداية، وجهنا سؤالنا الى الأكاديمي الدكتور غالب الدعمي رئيس قسم الصحافة في جامعة أهل البيت (عليهم السلام) فقال: نعم يحصل أحيانا سوء فهم بين الطالب وأستاذه وربما يكون هناك سوء فهم بينهما ناتج عن عدم قدرة بعضهما على فهم الآخر.. وجزء من هذا التوتر أو سوء الفهم يتحمله الأستاذ والجزء الآخر يتحمله الطالب.. فماذا يفعل التدريسي للطالب كثير الغيابات والذي لا يهتم بالمادة الدراسية أو الذي يحاول الخروج عن تقاليد العملية التربوية، فأكيد مثل هذا الطالب يكون محط سخط من التدريسي، والعملية معكوسة لو كان الطالب يتحلى بالسمات المحببة للأستاذ والتي تسهم في جعله من الطلبة المتفوقين.. ويتحمل التدريسي جزء من سوء العلاقة في حالة عدم قدرته على استيعاب الطلبة الذين يمكن التأثير فيهم بصورة جيدة، والعمل معهم فضلا عن أن بعض التدريسيين يخرجون عن معايير العملية التعليمية.
تنظيف ذواتنا هي المعضلة
الدكتورة (ج.خ) في إحدى جامعات كربلاء لها رأي ثانٍ حيث تقول: إن المشكلة في نفسية الأستاذ والطالب والمسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأستاذ كونه القدوة، ولذا فنحن نحتاج كأساتذة أن ننتبه لذواتنا ونصوّب الزلات والشوائب كما كانت جداتنا ينظفنَ (العدس) بهدوء وإتقان ويلتقطن كل شائبة لا تنتمي لنوع العدس، وبعدها (تنسّفه) ثم تنفخ كل الشوائب الغريبة لتبعدها عن الجيد، هذا بالضبط ما يجب فعله من لدن الملاك التدريسي، وكل من يعمل في مهنة التدريس ليكون على الأقل صافي الذهن واضح التفكير، وبالتالي سيعود هذا بالتأثير الايجابي على الطالب من خلال طريقة الاستاذ في التدريس وتعابير وجهه وألفاظه وفي تعامله مع المشاكل الطلابية، لكن تركنا ملهيات الحياة تنسينا ذلك، وأصبحت هناك هوة تتسع يوما بعد يوم بين الأستاذ وطلابه للأسف.
التزمت في تطبيق القوانين
أما (زهراء حداد/ مدرس مساعد ) جامعة أهل البيت (عليهم السلام) فقد قالت حول الموضوع: في رأيي أن أهم سبب لانعدام الثقة بين الاستاذ والطالب هو ان بعض الأساتذة يتعامل مع طلابه بقوانين رسمية، مثلا لو تكرر غياب احد الطلاب يتخذ الاستاذ فورا اجراء بإعلان اسم الطالب في انذار ويصل في بعض الاحيان الى الفصل من غير معرفة اسباب الغياب المتكرر الذي قد يكون سببه مشاكل يواجهها الطالب تجبره على عدم الانتظام في الدوام، وهذا طبعا يخلق فجوة في التعامل بين الطالب والاستاذ، وبعض الأساتذة يمنع الطالب من إبداء رأيه في موضوع مطروح داخل المحاضرة ظنا منه ان الطالب يشاكس وهذا طبعا يخلق نوعا من النفور من المحاضرة او حتى عدم استيعاب الطالب لمضمون لمحاضرة بسبب عدم احترام رأيه، أما بالنسبة للاسباب المتعلقة بالطالب نفسه، فهناك عدم مبالاة لبعض الطلاب بخصوص الحضور للمحاضرات المخصصة، مع انه متواجد داخل الحرم الجامعي، وهناك بعض التصرفات السيئة التي تصدر من بعض الطلبة داخل القاعة الدراسية، مثل الكذب المتكرر من قبل بعض الطلاب بخصوص مواضيع تخص دراستهم بشكل عام وانعدام العلاقات الاجتماعية مع الطلاب وعدم تقبل الاستاذ فكرة تكوين صداقة مع طلابه هي السبب الرئيس لازدياد التوتر وانعدام الثقة بين الاستاذ وطلبته.
يؤثّرون ويتأثّرون
حسين علي، طالب في المعهد التقني كربلاء يقول: طالما ردد والدي كيف كانوا ينطقون كلمة (أستاذ) بتفخيم الكلمة والتشديد على الذال وهذا نابع من تقديرنا لشخصه، والكل يقف إجلالا واحتراما له عند مروره.
ومع كلام والدي أضيف ان المعلم والطلاب يؤثرون في المجتمع ويتأثرون فيه ولا يمكن الفصل بينهم، وعليه ان تدهور الاوضاع في العراق على كافة الاصعدة لها دور كبير في التأثير على سلوك الاساتذة والطلبة، كما ان تصرفات أي فرد هي من تحدد سلوك الآخرين معه، فالطالب الملتزم بدوامه وتوجيهات أساتذته يكون دائما محط إعجاب وتقدير الآخرين.
بواعث الغش وسلبياته
التدريسي (أ. ك) في جامعة بغداد قال حول العلاقة بين الأستاذ وطلابه: إن اقوى الأسباب التي ساهمت بشكل كبير بفقدان الثقة بين الاستاذ وطلبته هو الغش.
وكلا الطرفين متضررين ونأخذ الأستاذ أولا كونه أكثر دراية واكبر عمرا. فشعور الأستاذ عندما يضبط احد طلابه بحالة غش سيفقد الثقة به وربما يظن أن هناك الكثير ممن يغشون ولا يعلم بذلك!. وهذا يشعره بالنقص كون الطالب اعتمد على الغش ويفسر ذلك، اولا بعدم تمكنه من إيصال المادة بشكل صحيح، ثانيا عدم احترام الطال للأستاذ ومهابته.
ويعد الغش من الأسباب القوية للكسل الفكري والمعرفي للطلبة، ولهذا فمن يعتمد على الغش سيجد صعوبة كبيرة في الفهم، ويتململ من القراءة في وقت الامتحان، فطريقة الغش السهلة لا تحتاج سوى شطارة وحيلة وخفة يد، ثانيا تدفع الطالب لعدم التركيز في المحاضرات، ولا يجهد نفسه ببناء أي علاقة ودية مع أساتذته، فلماذا يتعب دماغه مادام سينجح بطريقة اسهل واسرع، ثالثا ربما هذا الطالب سيتخرج ليكون أستاذا في المستقبل فكيف ينجح في مهنته وخبرته سطحية بخصوص المواضيع وغير ملم بالتخصص الذي يدرّسه للطلاب، ولا يمتلك أية خلفية عن كيفية إقامة علاقة ناجحة ومثمرة مع طلبته.
لهذا نكره الدراسة
كرهت الدراسة والجامعة هكذا بدأ كلامه متذمرا، إنه الطالب(م.ح) من جامعة كربلاء، وأكمل قائلا: ثلاث سنوات وانا أعاني من كراهية الأستاذة لي، وهذا واضح في نظراتها وكلامها معي، وفي تصحيح اوراق الامتحان حيث لا تتساهل معي إطلاقا مثل بقية الطلبة، والسبب موقف بسيط تسبب بسوء فهم بيننا، لكن على الاستاذ ان يتنزه عن أحقاده ويكون قدوة للحب والتسامح ولا يحمل افكاره ومشاكله الى مكان عمله، فنحن لسنا عبيدا ولا هم أسياد، وما يجعلني اصمت هو خوفي أن تنتقم مني وترسبني في مادتها، فالكثير من الأساتذة ينتقمون من الطلاب غير المرغوب بهم عن طريق الدرجات وهذا سلاحهم الفتاك.
خلاصة القول، في رأينا، بما أن المجتمع العراقي يعاني من ظروف اقتصادية وسياسية مربكة، إضافة الى الكم الهائل من التكنولوجيا المعلوماتية التي تصلنا من عدة طرق، أصبح من الضروري على الاستاذ متابعة التطورات وملاحقتها، لمعرفة وادراك مجريات الاحداث الحاصلة في المجتمع، بسلبياتها وايجابياتها، وبهذه المعرفة يمكنه ان يعي كيف يتعامل مع طلابه وما هي التوجيهات والإرشادات التي يقدمها لهم من خلال التأثير والاقناع، وكذلك محاولة الابتعاد عن المقارنة بين الطلبة والتفريق في التعامل، وترك الهموم والمشاكل الخاصة خارج القاعة والدخول للطلبة بذهنٍ صافٍ، فالشاب اليوم بحاجة ماسة الى تنمية وتطوير جوانبه الشخصية (العقلية والنفسية والاجتماعية) والحرم الجامعي بات المكان الأكثر مسؤولية في تنمية هذه القدرات والمسؤوليات، وباستطاعته ان ينجح في مجتمعنا كما نجح في البلدان المتطورة من خلال اهتمام وزارة التربية والتعليم عن طريق إعطاء الأساتذة دروسا في التنمية البشرية الموجهة نحو تطوير المهارات، ليتجاوز التدريسي نقاط الضعف التي يعاني منها سواء في ايصال المعلومة او ضعف التفاعل اللفظي مع طلابه، وكذلك الاهتمام بالسفرات المدرسية والنشاطات العلمية الاخرى التي تسهم بالتقارب الروحي بين الأستاذ وطلابه.