صحيفة اصوات الاخبارية / مصطفى عباس
يشاركني أغلب أفراد جيلي الحنين لمسلسلات الكرتون القديمة أيام الثمانينات ، وغالبا مايرفقون حنينهم بكلمات تمتدح عمق المضمون وبراعة الحبكة والرسوم ، وأريد أن أضيف أنها كانت تحمل مهمة تربوية ورسالة نفسانية مهمة جدا ، وهي نمو الطفل وتماهيه وتعلمه وتموضعه في عالم الكبار، والأهم أن يرغب الطفل نفسه في أن يصبح كبيرا ، ففي مسلسلات الأطفال القديمة كان الكبار الايجابيون موجودون بفعالية بقيمهم كقدوة وهدف نمو.
ولمن يحب أن يتذكر الأب المراقب المساند لولده في مغامرته بدون تسلط (د آمون في غرندايزر ) أو الأب القوي الحامي ذو البأس الشديد (فيتالس في ريمي ، الجد في عدنان ولينا وهايدي) ، إلى المعلم صاحب القيم الذي يخدمه الطفل المغامر في قضيته (القائد سانادا والمعلم الابيض في ساسوكي) ، أو من يتذكر الأم المفقودة التي تصبح هدف المغامرة والحنين والتفوق على الذات (في ريمي وسنان) ، قد يكون البطل نفسه كبيرا (دايسكي وأوسكار) ، وقد يكون الأب مزدوج الشخصية حاميا ومفترسا في آن واحد (كالوميض الأزرق).
جميعها قصص وضعت الطفل في إطار علائقي مفيد مع الكبار ، كان الأطفال والكبار في معركة مشتركة للبحث عن القيم ، وكل ذلك يجري في مناخ متأمل يخشى على الحياة ويحتفل بالطبيعة وقيمتها، كم من المشاهد الإنسانية المدركة للخطر على الحباة احتوتها مسلسلات ايام زمان.
الكبار في عالم الكرتون اليوم هزليون في أغلبهم مضحكون ، والطفل لايرغب أن يكبر بل الكبير يرغب أن يصغر (المحقق كونان ) وبدل التأمل والموسيقا الجميلة ، بدل شبكة العلاقة مع الأخرين ، نجد هياجا حركيا بلا مبرر وعالما الكترونيا افتراضيا اشبه بالالعاب ، وكأن الطفل لا يصغي إلى حكاية بل يلعب البلاي ستيشن حين يتفرج .
هياج حركي بدون كبار بدون علاقة بدون طبيعة ، اشبه بمرض التوحد الذي اصبحنا نرى أعدادا متزايدة منه في أطفالنا اليوم، في حين لا أذكر مثالا عليه في الثمانينات .
يروج لدى بعض المثقفين لوم الثقافة الأبوية لسلطويتها ، فهي سبب الكبت وسبب التخثر وعدم النمو ، طيب في الكرتون الحديث نرى أطفالا بلا كبار أو بكبار هزليين ، فيما لانجد بالمقابل إلا هياجا بلا معنى وعنفا في نهاية المطاف ، فهل هذا هو الإنسان الذي نحلم به.
وهل انتشار مرض التوحد بشكل متزايد ، والكرتون الحديث ، والتطرف ، والعنف ، والقلق في الحضارة هم دلائل على مرض إنساني واحد؟.